المسؤولية الاجتماعية ثقافة بعيدة عن المؤسسات الخاصة

محمود خطاطبة ما تزال المسؤولية الاجتماعية، التي لها بصمة واضحة في تحقيق أهداف التنمية المُستدامة، بعيدة كُل البعد عن رؤية ورسالة الكثير من الشركات والمؤسسات الخاصة أو شبه الحُكومية، العاملة في هذا الوطن، والتي تجني أرباحًا تُقدر بملايين الدنانير سنويًا، لكنها لا تُساهم بأي مشاريع، من شأنها النهوض بالوطن، وبالتالي يقطف ثمارها أبناء الوطن، خصوصًا أولئك الذين يقطنون في مناطق نائية. من حق الوطن الذي أوجد بيئة آمنة، وأرضية خصبة لحصد ملايين الدنانير كأرباح، أن تكون فيه مؤسسات وشركات تتمتع بحس عال بالمسؤولية الاجتماعية، بهدف خدمة المُجتمع بكُل شرائحة وفئاته.. ففي مُعظم دول العالم المُتحضر أو المُتقدم، هُناك مصارف وبنوك وشركات ومؤسسات خاصة تُخصص جزءًا من أرباحها السنوية لإنشاء مركز صحي شامل، أو مدرسة أساسية أو مُتخصصة لذوي الاحتياجات الخاصة، أو شق طريق أو تعبيد آخر، أو على الأقل المُساهمة في ذلك. في الأردن توجد شركات اتصالات، وبنوك، ومصارف مالية، ومؤسسات وشركات تجارية، أرباحها مُجتمعة تُقدر بمليارات الدنانير سنويًا.. لكن وللأسف كثير منها يبخل على الوطن وساكنيه، إذ لا تُخصص إلا جزء بسيط من أرباحها، لا يكاد يُذكر، للمُساهمة في تحقيق منفعة عامة، تعود بفوائد إيجابية على الجميع. معلوم لدى الجميع، أن القطاع الصحي الحُكومي، على سبيل المثال، يُعاني الأمرين، جراء قلة الإمكانات، أكانت مادية أم بشرية، واكتظاظ المُستشفيات والمراكز بالمرضى والمُراجعين، وذلك بالتزامن مع إدارة غير كفؤة، لا تستيطع تنظيم العمل على أكمل وجه في تلك المُستشفيات والمراكز.. والأمر جدًا مُشابه في قطاع التعليم، خصوصًا الأساسي منه، والذي تقع عليه المسؤولية الكُبرى في تأهيل أو خلق جيل جديد مُتعلم قادر على إدارة “الدفة” في المُستقبل. لعل السؤال الذي يشغل بال العديد من أبناء المُجتمع الأردني، وكذلك الحُكومات، يتمثل بما هو المانع من أن تقوم الشركات والمؤسسات والبنوك والمصارف المالية، مُنفردة أو مُجتمعة، بإنشاء أو على الأقل المُساهمة، في بناء مركز صحي شامل، أو مدرسة أساسية، في منطقة مُكتظة بالسكان، أو قرية أو بلدة نائية، بعيدة عن مركز المدينة الرئيس؟. ما تزال المسؤولية الاجتماعية، ثقافة غير موجودة في فكر وبُنية وهيكلة تلك الشركات والمؤسسات، وإذا كانت موجودة، فهي للأسف، تكون بحدها الأدنى، حيث تقوم بعض الشركات بما يُشبه عملية “ذر الرماد في العيون”، مُقدمةً تبرعا بسيطا، لا يكاد يُسمن أو يُغني من جوع، والهدف منه استخدامه في الدعاية والإعلان، بما يعود بالنفع عليها فقط. هُناك الكثير من المراكز الصحية في مُختلف مناطق المملكة، بحاجة إلى إعادة تأهيل في البُنى التحتية، أو بحاجة إلى أجهزة حديثة، أو مُختبرات طبية، أو تطوير أقسام أو استحداث عيادات واختصاصات جديدة، خصوصًا إذا ما علمنا بأن بعض المراكز تخدم عشرات الآلاف من السكان.. كما أن هُناك الكثير من المناطق بحاجة إلى مدارس أساسية تخدم مناطق مُعينة، تُخفف الحمل الثقيل عن كاهل الأُسرة، وكذلك الدولة. وهُنا، نتوجه بالسؤال التالي إلى الدولة والقائمين عليها، “لماذا لا يتم تخفيض قيمة الضريبة المُترتبة على الشركة أو المؤسسة التي تقوم بتطبيق المسؤولية الاجتماعية، بنسب معقولة؟”. المقال السابق للكاتب كيف تصنع القرارات الحكومية؟اضافة اعلان