المساومة على تطبيق القانون

إلى هذا الحد بلغ التغوّل على سيادة القانون؛ مطلوب فار من وجه العدالة قتل بدم بارد رجل أمن أثناء الواجب الرسمي، وأصاب زميله، تسّير جاهات ووساطات وتعقد جلسات حوار لإقناعه التكرم بتسليم نفسه للقضاء.اضافة اعلان
التفاصيل التي أوردها الزميل حسين كريشان في تقريره من معان مستفزة وتبعث على الإحباط أيضا، فالوسطاء من أصحاب الخير يحاولون جاهدين ترتيب لقاء مع المجرم عل وعسى يوافق على تسليم نفسه!
قوات الأمن لم تتخل عن دورها وأكدت أنها مستعدة لاقتحام الحي الذي يتحصن فيه للقبض عليه. لكن التقاليد التي أرستها مؤسسات رسمية في تعاملها مع مثل هذه الحالات هى التي أفرزت هذا الوضع الشاذ، بدعوى تجنب مصادمات مع الأهالي وحقن الدماء.
وضع صار بموجبه التفاوض مع المطلوبين عرفا دارجا في مناطق بعينها، وصل حد المساومة على أحكام القضاء كشرط مسبق لتسليم المطلوبين.
من تجليات أزمة سيادة القانون في الأردن، استعداد غير مسبوق من الأهالي لاحتضان المطلوبين والتستر عليهم، لابل ومقاومة رجال الأمن عند مداهمة المنازل. في عديد المناطق أصبح مثل هذا الأمر يتكرر. يكفي أن تبادر بلدة أو عشيرة لمثل هذا السلوك حتى تلحق بها مناطق وعشائر أخرى.
التسليم بسلطة القانون هو شرط بديهي لسيادة الدولة وبخلافه يصبح كل شيء على المحك.
تكريس مثل هذه الحالات سيخلف نتائج وخيمة، تجد مؤسسات الدولة بعدها عاجزة عن تطبيق القانون في المخالفات البسيطة.
أصل المشكلة هو في تنازل الدولة عن حقها الحصري في تطبيق القانون، وفرضه بالقوة إن لزم الأمر. الوساطات والجاهات تحايل على القانون وانتقاص من سيادته على الجميع دون استثناء.
من كان في السابق يتستر على مطلوب يعامل من قبل السلطات معاملة المطلوب نفسه ويحال إلى القضاء كما ينص القانون. اليوم صار المتستر يجاهر بمخالفته للقانون، وأكثر من ذلك يستقبل الجاهات ويفاوض السلطات على شروط تسليم المطلوبين.
لقد حسمت الدولة الأردنية ازدواجية سلطة القانون والقضاء قبل سبعين عاما، وانفردت مؤسساتها القضائية والأمنية بتطبيق القانون كما الحال في كل الدول. اليوم وبكل أسف نعود للوراء لنساوم على هذا المكتسب الأهم في مسيرة دولتنا، ونقبل بالمساومة على سلطة القانون، واقتسامها مع قوى اجتماعية لاتملك مثل هذا الحق.
سيرد أحدهم بالقول إن المهم هو النتيجة؛ تسليم المطلوب للسلطات دون مصادمات قد تتوسع لاحقا إلى ما لا يحمد عقباه. في اعتقادي هذا المنطق غير صحيح إطلاقا لابل وخطير أيضا. المهم هو الهدف وليس النتيجة فقط. فالمدخلات السليمة لأية عملية تفضي بالضرورة إلى مخرجات صحيحة. ينبغي أن يدرك الجميع أن القانون يطبق على الجميع بنفس الآليات ولا يخضع للمساومة بكل مراحله.
بمعنى آخر القانون يطبق من أجل القانون، وليس تفضلا من أحد أو استجابة لجاهة أو وسيط، ففي ذلك انتقاص من هيبة الدولة وتحد لسلطة القانون، تمضي بنا إلى درب التهلكة إذا ما استقرت عرفا وثقافة.