المستوطنون اليهود يُملون السياسة في إسرائيل.. ولكن بأي ثمن؟

Untitled-1
Untitled-1

رمزي بارود* - (فورين بوليسي جورنال) 23/8/2019

ترجمة: علاء الدين أبو زينة

اضافة اعلان

مع قيام المستوطنين اليهود بإملاء الأجندة السياسية في إسرائيل، وقيامهم باستفزاز الفلسطينيين باستمرار في الأراضي المحتلة، من المرجح أن يتصاعد العنف بشكل كبير في الأشهر المقبلة. وكما هو الحال في أغلب الأحيان، سوف تستخدم الحكومة الإسرائيلية هذا العنف بطريقة استراتيجية، هذه المرة لتمهيد الطريق لضم نهائي وكامل للأرض الفلسطينية، وهي نتيجة كارثية وفقاً لأي معيار.

  • * *
    يعيش المستوطنون اليهود الإسرائيليون الآن حالة من الهياج المتنمر في الضفة الغربية الفلسطينية المحتلة. وفي حين يشكل عنف المستوطنين جزءاً من الروتين اليومي في فلسطين المحتلة، فإن العنف الذي شهدته الأسابيع الأخيرة مرتبط مباشرة بالانتخابات العامة في إسرائيل، المقرر إجراؤها في 17 أيلول (سبتمبر).
    كانت الانتخابات السابقة التي أجريت في 9 نيسان (أبريل) قد فشلت في تحقيق الاستقرار السياسي في البلد. وعلى الرغم من أن الزعيم الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هو الآن رئيس الوزراء الأطول خدمة في تاريخ إسرائيل الذي يبلغ عمره 71 عاماً، فإنه لم يتمكن من تشكيل ائتلاف حكومي بعد الانتخابات السابقة.
    أصبحت قيادة نتنياهو، التي تلطخها سلسلة من قضايا الفساد التي تورط فيها هو وأسرته ومساعدوه، تضعه في موقف لا يحسد عليه. ويبدو أن محققي الشرطة يُطبقون عليه، في حين يقوم حلفاء سياسيون انتهازيون، من أمثال أفيغدور ليبرمان، بليّ ذراعه على أمل انتزاع تنازلات سياسية منه في المستقبل.
    وليست الأزمة السياسية في إسرائيل حصيلة لعودة حزب العمل إلى الحياة أو لتوجهات الأحزاب النشطة من الوسط السياسي، وإنما تأتي نتيجة لفشل اليمين (بما في ذلك الأحزاب اليمينية المتطرفة والقومية المتطرفة) في صياغة أجندة سياسية موحدة.
    يدرك المستوطنون اليهود غير الشرعيين جيداً أن الهوية المستقبلية لأي تحالف حكومي يميني سيكون لها تأثير دائم على مشروعهم الاستعماري. غير أن المستوطنين ليسوا قلقين بالضبط، لأن جميع الأحزاب السياسية الرئيسية، بما فيها "أزرق وأبيض"، الحزب الوسطي الذي يتزعمه بنيامين غانتز، جعلت من مسألة دعم المستعمرات اليهودية عنصراً مهماً في خطاب حملاتها الانتخابية.
    كان التصويت الحاسم للمستوطنين اليهود في الضفة الغربية ومؤيديهم داخل إسرائيل واضحاً للغاية في الانتخابات الأخيرة. وفي وقت لاحق، أجبرت قوتهم غانتز على تبني موقف سياسي مختلف تماماً عن ذلك الذي كان قد تبناه في نيسان (أبريل).
    الرجل الذي كان قد انتقد يوم 7 نيسان (أبريل) (قبل يومين من إجراء الانتخابات الأخيرة) إعلان نتنياهو "غير المسؤول" بشأن نيته ضم الضفة الغربية، أصبح الآن مؤيداً كبيراً للمستوطنات. ووفقاً لموقع الأخبار الإسرائيلي، "أروتز شيفا"، فقد تعهد غانتز بمواصلة توسيع المستوطنات "من منظور استراتيجي وليس كاستراتيجية سياسية".
    بالنظر إلى التحول في منظور غانتس فيما يتعلق بالمستوطنات، لم يتبق لنتنياهو أي خيار آخر سوى رفع الرهان، بينما يضغط الآن من أجل ضم كامل لا رجوع عنه للضفة الغربية.
    يشكل ضم الضفة الغربية، من وجهة نظر نتنياهو، استراتيجية سياسية سليمة ومنطقية. وبطبيعة الحال، لا يلقي رئيس الوزراء الإسرائيلي بالاً للقانون الدولي الذي يرى أن وجود إسرائيل العسكري والاستيطاني في الضفة الغربية غير قانوني. ولكن لم يسبق لنتنياهو، ولا لأي زعيم إسرائيلي آخر، إذا كان ذلك يهم، أن أبدى أي اهتمام بالقانون الدولي على الإطلاق. كان كل ما يهم إسرائيل حقًا هو تأمين الدعم من واشنطن، والذي غالباً ما يكون أعمى وغير مشروط.
    وفقاً لصحيفة "تايمز أوف إسرائيل"، فإن نتنياهو يضغط الآن رسمياً من أجل صدور بيان علني من الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والذي يؤيد فيه ضم إسرائيل للضفة الغربية.
    وعلى الرغم من أن البيت الأبيض رفض التعليق على هذه الأخبار، وادعى مسؤول في مكتب نتنياهو أنها "غير صحيحة"، فإن اليمين الإسرائيلي يسير بخطى حثيثة على الطريق السريع نحو جعل هذا الضم ممكناً.
    بتشجيع من تعليق السفير الأميركي ديفيد فريدمان بأن "لإسرائيل الحق في الاحتفاظ ببعض من أجزاء الضفة الغربية"، يتحدث المزيد من المسؤولين الإسرائيليين الآن بجرأة وصراحة عن نواياهم إزاء جعل هذا الضم واقعاً.
    وقد ألمح نتنياهو، بنفسه، إلى هذا الاحتمال في آب (أغسطس) خلال زيارة لمستوطنة بيت إيل غير القانونية في الضفة الغربية. وقال نتنياهو خلال حفل لتدشين توسيع المستوطنات غير القانونية بإضافة 650 وحدة سكنية أخرى: "إننا نأتي لنبني. سوف نمد أيدينا وسوف نعمق جذورنا في وطننا -في جميع أنحائه".
    على النقيض من نتنياهو، لم تتحدث وزيرة العدل الإسرائيلية السابقة وزعيمة اليمين المتحد حديثاً، أيليت شاكيد، بالتلميح بدون التصريح. ففي مقابلة مع صحيفة "الجيروساليم بوست"، دعت شاكيد إلى الضم الكامل للمنطقة ج، التي تشكل ما يقرب من 60 في المائة من الضفة الغربية. وقالت: "علينا أن نطبق السيادة على يهودا والسامرة"، مشيرة إلى الأراضي الفلسطينية باستخدام تسميات توراتية.
    ومع ذلك، يريد وزير الأمن العام والشؤون الاستراتيجية والإعلام، جلعاد إردان، قطع الميل الإضافي. ووفقاً لموقع "أروتز شيفا" وصحيفة "الجيروساليم بوست"، دعا إردان إلى ضم جميع المستوطنات غير القانونية في الضفة الغربية والإطاحة برئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس أيضاً.
    الآن وقد أصبح المستوطنون اليهود في قلب السياسة الإسرائيلية، فإنهم يتمتعون بالمشهد الناشئ حيث تخطب ودهم جميع الأحزاب السياسية الرئيسية. ويشكل عنفهم المتزايد في الضفة الغربية شكلاً من أشكال عرض العضلات السياسية، وتعبيراً عن الهيمنة وعرضاً وحشياً للأولويات السياسية.
    كان "هناك علَم واحد فقط من الأردن إلى البحر -علم إسرائيل"، شعاراً للتحشيد، والذي شارك في رفعه أكثر من 1.200 مستوطن يهودي جابوا شوارع مدينة الخليل الفلسطينية في 14 آب (أغسطس). وقاموا، إلى جانب الجنود الإسرائيليين، باقتحام شارع الشهداء ومضايقة الفلسطينيين والناشطين الدوليين في المدينة الفلسطينية المحاصرة.
    وقبل ذلك ببضعة أيام، قام حوالي 1.700 مستوطن يهودي، تدعمهم الشرطة الإسرائيلية، باقتحام مجمع المسجد الأقصى في القدس الشرقية المحتلة. ووفقاً للهلال الأحمر الفلسطيني، أصيب أكثر من 60 فلسطينياً عندما هاجمت القوات الإسرائيلية والمستوطنون المصلين.
    وتكرّر المشهد العنيف في مدينة نابلس؛ حيث اقتحمت مجموعة من المستوطِنات اليهوديات المسلحات منطقة المسعودية التابعة لبلدة برقا، وأجرين "تدريباً عسكرياً" هناك تحت حماية جيش الاحتلال الإسرائيلي.
    رسالة المستوطنين من كل هذا واضحة: نحن الآن نملي السياسة، وليس في الضفة الغربية وحسب، وإنما في كل المشهد السياسي الإسرائيلي أيضاً.
    كل هذا يحدث كما لو أنه شأن سياسي إسرائيلي خالص بالكامل. وقد تُرك للسلطة الفلسطينية، التي أُسقطت الآن من الحسابات السياسية الأميركية تماماً، إصدار بيانات صحفية غير ذات صلة عن نيتها تحميل إسرائيل المسؤولية وفقاً للقانون الدولي.
    لكن حراس القانون الدولي غائبون بدورهم أيضاً. ولا يبدو أن الأمم المتحدة، ولا دعاة الديمقراطية والقانون الدولي في الاتحاد الأوروبي، مهتمون بمواجهة التعنت الإسرائيلي والانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان.
    مع قيام المستوطنين اليهود بإملاء الأجندة السياسية في إسرائيل، وقيامهم باستفزاز الفلسطينيين باستمرار في الأراضي المحتلة، من المرجح أن يتصاعد العنف بشكل كبير في الأشهر المقبلة. وكما هو الحال في أغلب الأحيان، سوف تستخدم الحكومة الإسرائيلية هذا العنف بطريقة استراتيجية، هذه المرة لتمهيد الطريق لضم نهائي وكامل للأرض الفلسطينية، وهي نتيجة كارثية وفقاً لأي معيار.

*صحفي أميركي فلسطيني، مستشار إعلامي، ومؤلف، وكاتب عمود دولي، محرر موقع "ذا بالستاين كرونيكل" (منذ 1999 حتى الآن)، محرر سابق لموقع "ميدل إيست آي" في لندن (2014-15)، نائب رئيس التحرير السابق لقناة الجزيرة على الإنترنت.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Jewish Settlers Rule the Roost in Israel, But at What Price?