المسعف الأخير وخصوصية المصارف الإسلامية

د. غسان الطالب*

للبنك المركزي، وظائف متعددة  منها وظيفة المقرض الأخير والتي تعني اللجوء للبنك المركزي في طلب الاقتراض عندما يكون هناك ضرورة للسيولة وليس للبنك وسيلة لتغطية حاجته من السيولة، والبنك المركزي يهدف منها المحافظة على الاستقرار النقدي وسلامة الجهاز المصرفي وكذلك حماية أموال المودعين، حيث يقوم البنك المركزي بتقديم القروض للبنوك العاملة ضمن الجهاز المصرفي وتحت رقابته بأسعار فائدة يحددها هو عند حاجة هذه البنوك وفي ظروف طارئة للسيولة النقدية، خاصة عندما يكون البنك غير قادر على الاستجابة لطلب العملاء على السحب من ودائعهم في لحظة زمنية حرجة وتسمى هذه الحالة بـ (العسر المالي). اضافة اعلان
 يتدخل البنك المركزي كمقرض أخير لمنع وصول البنك إلى حالة العسر المالي وتزويده بالسيولة اللازمة لتلبية طلب عملائه في السحب من ودائعهم بعد أن يتأكد من أن هذا العسر المالي ليس بسبب سوء إدارة أو فساد. هذا الوضع يمكن أن يتم بكل تفاصيله في البنوك التقليدية وفق سعر الفائدة الذي يحدده البنك المركزي، أي بكلفة يتحملها البنك المعني وذلك بضمان أصل من أصول البنك طالب القرض أو أية أوراق مالية أو تجارية متوفرة لديه ويقبل بها البنك المركزي، ما يوفر له كذلك القدرة على التأثير في الطلب على الائتمان حيث متطلبات السياسة النقدية. هذه الآلية بكل تفاصيلها تحدد العلاقة بين البنك المركزي وبقية البنوك في الجهاز المصرفي طالما أن سعر الفائدة هو الأداة المحركة لهذه الآلية بينما هذا النمط من التعامل غير موجود في التعامل مع المصارف الإسلامية كونها لا تتعامل أصلا بسعر الفائدة أخذاً أو عطاءً، وليس من فلسفتها الإقراض والاقتراض أصلا،  لهذا اتفق على تسميته هذه الحاجة لدى المصارف الاسلامية  بـ ( المسعف الأخير) مع تقديرنا لأهمية ودور المصارف الإسلامية في الاستقرار النقدي، والمساهمة الحقيقية في التنمية الاقتصادية وتلبية حاجات المجتمع التمويلية اضافة إلى رسالتها الاجتماعية أو ما يمكن ان نسمية بالمسؤولية الاجتماعية لها، اذا هي شريك فعلي ومهم لمؤسسات الدولة المسؤولة عن رسم وتنفيذ الخطط الاقتصادية لبلدانها، انطلاقا مما سبق، فإننا نرى أن المصارف الاسلامية هي أحوج ما تكون لوجود مسعف أخير ينسجم مع فلسفتها ومبادئها تجنبا لأي ظروف طارئة وغير محسوبة تهدد وظيفتها المصرفية أو أي مخاطر غير متوقعة مثل مخاطر السوق ومخاطر العمل إضافة إلى البيئة السياسية التي غالباً ما تنعكس بظلالها على أداء المصرف بشكل عام.
وحتى تتمكن المصارف الاسلامية من تأدية رسالتها الأخلاقية ووظيفتها المالية الملتزمة بأحكام الشريعة الاسلامية فلا بد من إعادة صياغة للعلاقة مع البنوك المركزية يراعى فيها خصوصية المصارف الاسلامية ووضع القوانين والتشريعات التي تساعدها على تأدية دورها، بما ينسجم مع أحكام الشريعة الإسلامية، خاصة أنها تستحوذ على حصة مصرفية تقارب الـ20 % في بعض أماكن وجودها، بعد ان سجل لها انجازات مصرفية يشهد لها محليا ودوليا، خصوصا بعد الازمة المالية العالمبة والاهتمام الذي ابدته العديد من الدول الغربية بالصناعة المصرفية الاسلامية للاستفادة من تجربتها في معالجة بعض من مشاكلهم المالية والاقتصادية التي التي كشفت الازمة المالية العديد من عيوبها.
كما إننا نؤكد على تفعيل بقية الأدوات الاستثمارية المتاحة لديها؛ أي لا يقتصر الاستثمار على التمويل قصير الأجل بل يجب الاهتمام بالتمويل متوسط وطويل الأجل حتى تغطي كافة احتياجات الاقتصاد لمجتمعاتها من التمويل رغم القناعة بارتفاع درجة المخاطرة في هذا النوع من التمويل إلا انه سيساهم في زيادة حصة هذه الصناعة في السوق المصرفية ويجعلها أكثر قدرة على المنافسة، وندعو كذلك إلى تأسيس صندوق للسيولة مشترك بين المصارف الإسلامية؛ تكون مصادره من الودائع الجارية والمدخرات التي لا تشارك في الربح والخسارة حيث يمكن اللجوء إليه للتدخل كمسعف في حال لزم ذلك وتوضع له شروط مُنظِمة تضمن تأديته للدور الذي انشئ من اجله وهذ يتطلب المزيد من البحث والدراسة كي لايتقاطع مع القوانين والتشريعات السيادية والسياسات النقدية لكل بلد.
مع قناعتنا الكاملة بان توفير الاجواء المناسبة ووضع القوانين والتشريعات التي تراعي خصوصية هذه الصناعة ستجعلها أكثر استقرارا ومساهمة في دورها التمويلي للتنمية الاقتصادية، وقوة لدورها المصرفي كذلك.

*باحث ومتخصص في التمويل الإسلامي