المسكنة لن تحرر فلسطين..!

بينما يعاني الفلسطينيون من هجمة وحشية أخرى من العدو الصهيوني ومستوطنيه المتطرفين، يعزي الرئيس الفلسطيني رئيس الكيان بموت بعض من المستعمرين بحادثة طبيعية. ولطالما كانت تعاملات القيادة الفلسطينية مع العدو سبباً للدهشة، لأنها تكشف بلا توقف عن تناقضات وميوعة سياسية تنعكس للأسف على شخصية الشعب الفلسطيني الذي يحتكر هؤلاء الناس تمثيله. كل من يقرأ التاريخ يعرف أن المسكنة والتذلل هي عملات لا تُصرف في المعادلات الدولية. وإذا كان عرض قضية قانونية وإنسانية متماسكة جداً، ومدعومة بالتاريخ القريب والوقائع الثابتة مثل القضية الفلسطينية، لم يُعِد فلسطين ولا أعاد اللاجئين ولا حرر الفلسطينيين، فكيف يمكن التعويل على “عواطف دولية” قد ترق إذا تعاطفت مع عدوك؟ وهل يشتري عدوك نفسه تزلفك وهو الذي يجاهر بكراهيته لك قولا وفعلا؟ ليس الفلسطينيون في حاجة إلى إظهار أخلاقيتهم عن طريق التعاطف مع العدو ومواساته في خسائره. ليس لأنهم غير إنسانيين، وإنما لأنه ليس من الطبيعي أن يُظهر أحد أو يُبطنَ ودا لعدو عاكف على تعذيبه وقتله على رؤوس الأشهاد. إن العاطفة الطبيعية تجاه عدو غير محترم بأي مقياس، هي الكراهية المُرة. وغير ذلك اختلال في الطبع وسلوك قمين بالازدراء. ليس من الطبيعي أن يعزي الفلسطينيين الكيان بموت شمعون بيريز، أحد أشد قادة العدو قسوة على الفلسطينيين. والأمر ينطبق على كل مَن يموت من أعضاء المشروع الاستعماري-الاستيطاني الصهيوني. فهذا المشروع مؤسسة يُشغّلها ويديمها كل فرد يتواجد على أرض فلسطين من غير أهل فلسطين قبل استعمارها. وكل واحد من هؤلاء يعيش في بيت ويمشي على أرض لفلسطيني. والمعادلة في الصراع مع أفراد مشروع استعماري-استيطاني قائم على التجريد من الممتلكات والتطهير العرقي لأصحاب الأرض ليس له سوى تعريف واحد: إما أنا أو أنت. عندما يغزو غريب أي بلد بقصد الاستيلاء عليه والقضاء على أصحابه، فإن الأمر الذي يصدر لكل قادر على المقاومة: اقتل أو تُقتَل. ومهما كان فعل القتل مكروها من حيث الأساس، فإنه يصبح الشرط الوجودي والأخلاقي الوحيد عندما يأتي أناس من أقصى الأرض لقتل أولادك وأخذ بيتك واغتصاب بناتك وزوجتك. ومن المفارقات أن العدو الصهيوني يمارس القتل والنهب والاغتصاب في حق الفلسطينيين كأسس لمشروعه العدواني، ويعتبر ذلك قضيته الدينية والأخلاقية والوطنية ويصنفه دفاعا عن النفس والوجود. الشيء الإنساني الوحيد، بالنسبة للفلسطينيين، هو أن يستعيدوا إنسانيتهم بالتخلص من الاستعمار والمستعمرين. وغير الإنساني هو الاستسلام للشعور غير السوي بالتعاطف أو الشفقة تجاه عدو يعتبر إبادتهم وتجريدهم من إنسانيتهم شرط وجوده. لن يلوم أحد الرئيس الفلسطيني إذا لم يواس عدو شعبه الواضح ويشاركه أحزانه. فالبروتوكولات الدبلوماسية بين الدول لا تنطبق على الفلسطينيين. إنهم ليسوا دولة وإنما شعب تحت الاحتلال هم وزعيمهم نفسه. وليس الأمر نزاعاً بين دولتين مستقرتين على أمتار من الأرض على الحدود أو منافسة على النفوذ حتى تمرّ مسألة التعزية كبادرة حسن نية. لا ينبغي أن يكون لدى الفلسطينيين أي حًسن نية تجاه محتليهم –ليس في القلب، وبالتأكيد ليس على اللسان. إن كل مواقف المسكنة والتذلُّل التي تعرب عنها القيادة الفلسطينية بسبب الإفلاس وتضييع كل وسائل المقاومة أو حيل الثورات التحررية المؤمنة بالتحرير، إنما تُحقّر صورة الفلسطينيين في عيون الآخرين. الطبيعة نفسها لا تحب الضعفاء ويعترف قانون الانتخاب الطبيعي فقط بحق الأقوى في الوجود. والذي يثير الإعجاب حقاً هو الذي يدافع عن قضيته العادلة بعناد واستبسال ولا صغار. وينبغي أن تتصف قيادة حركة تحرر وطني بالعزم وقوة الخطاب في الدفاع عن الحق والقضية، ولا يضيرها أن تجاهر بعدائها المبرر قانونياً وأخلاقياً لمستعبدي شعبها. لا ينبغي لرئيس الفلسطينيين أن يواسي العدو ويعزيه بخسائره، بذريعة تسجيل الفلسطينيين كشعب مسالم، مسكين ومغلوب على أمره. لا يليق التذلل بالفلسطينيين ولا ينبغي أخذهم جبراً إلى بيت عزاء مقام على أرضهم المسلوبة وهم أنفسهم في حداد يومي غير متوقف. إن هذا السلوك يهزم روح الفلسطينيين ويشوش صورتهم ويربك تعريفهم للعدو الذي ليس له واجب عندهم إلا مقاومته وتعظيم أحزانه وخسائره كلما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً.اضافة اعلان