المشهد الأخير من "رقص أردوغان مع الذئاب" في سورية

جنود أتراك في بلدة سورية شمالية - (أرشيفية)
جنود أتراك في بلدة سورية شمالية - (أرشيفية)
بُراق تويغان* - (أحوال تركية) 29/8/2019 انقضى أسبوع مذهل بالنسبة لتركيا في سورية. ففي الأسبوع قبل الماضي، استولت قوات النظام السوري على بلدة خان شيخون الاستراتيجية، وهو ما دق أجراس الخطر في أنقرة. ووفقاً لخبير الشأن الروسي، كريم خاص، يبدو أن الرئيس رجب طيب أردوغان، الذي اتصل بالزعيم الروسي فلاديمير بوتين واستطاع الوصول إليه بصعوبة بالغة، لم يستطع الحصول على الضمانات التي أرادها من نظيره عبر الهاتف، فقرر الذهاب إلى موسكو في 27 آب (أغسطس). وبعد المحادثة الهاتفية، أدلى القصر الرئاسي التركي بتصريح أعلن فيه أن أردوغان قال لنظيره الروسي بوتين أن "انتهاكات وقف إطلاق النار في إدلب تؤدي إلى أزمة إنسانية. وتضر بمساعي الحل. كما أنها تهدد أمن تركيا بشكل خطير". كشف طلب أردوغان عقد لقاء عاجل مع بوتين قبل وقت قصير من اجتماع القادة الأتراك والروس والإيرانيين في أنقرة لحضور محادثات أستانا الرابعة عشرة في 16 نيسان (أبريل)، تماماً عن خطورة الموقف. ويبدو أن أنقرة، التي تقف في مواجهة مباشرة مع روسيا في إدلب، قد قبلت الشروط التي وضعتها واشنطن على الطاولة لتجنب الوقوع في خلاف مع الولايات المتحدة بشأن "المنطقة الآمنة". على الرغم من عدم معرفة جميع التفاصيل، أعلن وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، أنه قد تم مع الولايات المتحدة اتخاذ الخطوة الأولى بشأن المنطقة الآمنة، وأن "مركز العمليات المشتركة الموحد" ومقره في شانلي أورفا قد بدأ العمل بكامل طاقته. وبالإضافة إلى ذلك، نُفذت في 29 آب (أغسطس) أول رحلة مشتركة بطائرة هليكوبتر شارك فيها قادة أتراك وأميركيون، وذلك في نطاق تطبيقات المرحلة الأولى. وفقا لقناة الجزيرة القطرية، فإن عمق المنطقة الآمنة سيكون 5 كيلو مترات في المرحلة الأولى، ويمكن توسعتها لاحقاً وفقاً للتطورات. وتريد تركيا أن تكون هذه المنطقة على عمق 35-40 كيلومتراً على طول الحدود السورية كلها. أما الولايات المتحدة فقد اشترطت مسبقاً خلال المفاوضات أن تكون هذه المنطقة بعمق 10-15 كيلومتراً وبطول 100 كيلومتر على الأكثر. ثمة أمور أخرى غامضة ومهمة بشأن "المنطقة الآمنة" التي ستفصل بين مناطق سيطرة تركيا وتلك التي تسيطر عليها قوات سورية الديمقراطية بقيادة وحدات حماية الشعب الكردية داخل الحدود السورية، والتي تتمثل في تحديد من سيسيطر على المنطقة، وعدد الجنود وكمية الأسلحة التي يمكن لتركيا أن ترسلها إلى المنطقة. من الجدير بالذكر أن مبادرات تركيا التي طلبت إقامة منطقة آمنة اعتباراً من العام 2013 لم تحظَ بالقبول من الولايات المتحدة. كما أن تركيا التي بدأت الانتشار في المنطقة بدءاً من شهر حزيران (يونيو) لم تُقدم على أي تدخل في منبج بسبب التهديدات الأميركية. وتزعم تركيا أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب نظر بشكل إيجابي إلى اقتراحات تركيا بشأن إقامة المنطقة الآمنة، إلا أن البنتاغون أصر على موقفه. وقال القائد العام لقوات سورية الديمقراطية، مظلوم عبدي، في تصريح أدلى به في الحسكة، إنهم سيبذلون قصارى جهدهم لضمان نجاح المبادرات المتعلقة بالمنطقة الآمنة. وذكر عبدي أنهم أجروا أيضاً مفاوضات مع تركيا بواسطة الولايات المتحدة الأميركية. أما القوات المركزية الأميركية فزعمت، في بيان بتاريخ 23 آب (أغسطس)، أن وحدات حماية الشعب المنضوية في قوات سورية الديمقراطية الموجودة في المنطقة قد بدأت مغادرة المنطقة. تشير التقديرات إلى أن الشروط التي طلبتها الولايات المتحدة تم قبولها على عجل نتيجة لما حدث في إدلب من تطورات لم تكن تتوقعها أنقرة. يتحدث الرأي العام في تركيا حتى الآن عن منبج والمنطقة الآمنة أكثر من إدلب. أما روسيا التي حصلت على التنازلات التي أرادتها في قضية نظام الدفاع الصاروخي "إس-400"، فترى أن تركيا تبحث عن حلول للدخول في تعاون محتمل مع أميركا في منبج، وقد استأنفت عمليات القصف التي كانت قد علقتها نحو ثلاثة أشهر وتقديم الدعم اللوجستي للقوات السورية النظامية. الجيش السوري الذي يتفوق بصورة كبيرة جداً على قوات الميليشيات المدعومة من تركيا، وقوات "هيئة تحرير الشام" التي تسير على خطى تنظيم القاعدة، وقوات "جيش العزة"، سيطر خلال فترة قصيرة على بلدة خان شيخون الاستراتيجية، فقطع بذلك اتصال نقطة المراقبة التركية في مورك مع المنطقة الرئيسة الخاضعة لسيطرة المعارضة. وفي أعقاب ذلك مباشرة، نظمت قوات النظام السوري هجوماً وقائياً على القافلة العسكرية التركية التي انتقلت إلى المنطقة، مما خلق تصوراً بأن سورية أرادت معاقبة تركيا. وفي حال واصلت قوات النظام السوري المدعومة من روسيا تقدمها، فسوف تصبح القوات التركية المتواجدة في 12 نقطة مراقبة بالمنطقة في خطر كبير، كما أن الثلاثة ملايين سوري المقيمين في إدلب سيبحثون عن سبل للفرار إلى تركيا. فهي الممر الوحيد الذي يمكن أن يفر إليه أيضا حوالي 100 مقاتل ينتمي 40 ألفاً منهم إلى مجموعة هيئة تحرير الشام. لكن وزير الداخلية سليمان صويلو قال، في تصريح أدلى به الأسبوع الماضي، إنهم سيؤوون اللاجئين الراغبين في الفرار إلى تركيا في نقاط حددوها داخل الحدود السورية، ولم يذكر أي معلومات عن هذه النقاط: هل ستكون في إدلب، أم في عفرين الخاضعة للسيطرة التركية، أم في منطقة الباب؟ فشلت قوات النظام السوري التي تحركت من أجل تحرير إدلب في شهر نيسان (أبريل) في تحقيق أي تقدم ضد المعارضين وحاولت فحسب حماية مواقعها، وذلك بسبب المفاوضات الجارية بين تركيا وروسيا. ووفقا للإجابات التي حصل عليها أردوغان الذي التقى بوتين يوم الثلاثاء قبل الماضي، سوف يتضح ما سيحدث في إدلب خلال الأيام القادمة إلى حد ما. وفي حال طلبت قوات النظام السوري المدعومة من روسيا التقدم، فلا يبدو من المرجح أن تقاوم تركيا وقوات المعارضة. ولا سيما إذا كانت هيئة تحرير الشام تشكل القوة الأهم بين المعارضين، والتي يترتب على تركيا أن تجردها من السلاح. ومن المحتمل أن ترد روسيا بشدة وصرامة أكثر على مطالب تركيا في المرحلة القادمة؛ فقد دخلت منبج والمنطقة الآمنة أيضا ضمن المعادلة. لا ترغب روسيا والنظام السوري في أن تنشئ تركيا منطقة عازلة ولا أن تكسب النفوذ في المنطقة بأي شكل من الأشكال، في حين تهتم تركيا بوجود منطقة آمنة مدعومة من الولايات المتحدة الأميركية أكثر من اهتمامها بإدلب. وفي حين كان النقاش قبل بضعة أسابيع يجري حول نوعية العقوبات التي ستفرضها أميركا، فإنه يجري حالياً حول كيفية معاقبة روسيا لتركيا. لقد حان الوقت لأن تتخذ تركيا القرار، وكذلك أردوغان، الذي يسعى إلى الحصول على دور في سورية مستفيداً من الخلافات القائمة بين الولايات المتحدة وروسيا خلال السنوات القليلة الماضية. ويبدو أن الستار في مسرحية الرقص مع الذئاب يوشك على الانسدال. *كاتب تركي.اضافة اعلان