المشهد "العراقي- الإيراني"- الإسرائيلي

شهدت الأسابيع الفائتة، ما يعتقد أنّه "تصعيد إسرائيلي"، ضد أهداف مرتبطة بإيران، في العراق، وسورية، ولبنان، ورغم أنّ فرص احتواء الموقف مرجّحة، خصوصاً، بعد خطاب رئيس حزب الله، حسن نصرالله، الأحد 25 آب (أغسطس)، إلا أن "قواعد اشتباك" جديدة تتأسس في المنطقة بين إِسرائيل والآخرين، قد لا تكون "بالغة الأهمية" عسكريّاً، ولكنها "ذات دلالة" سياسية. ميدانياً يمكن تلخيص ما حدث بما يلي: لم تنف إسرائيل، مسؤوليتها عن هجمات حصلت في العراق في شهري تموز (يوليو) وآب (أغسطس) 2019، ضد مخازن سلاح، لقوات الحشد الشعبي، المرتبط بإيران، بعضها نفذ بطائرات دون طيار، وبعضها تم تفجيره بطرق غير واضحة تماماً، ومن شبه المؤكد أنّ العمليات تمت من داخل العراق، بمعنى أنّه في حالة تأكد وقوف إسرائيل وراءها، فالحديث عن أذرع إسرائيلية تتحرك داخل العراق. ثم استُهدِفَت أهداف للحشد الشعبي، (يوم 20 آب (أغسطس) قرب الحدود السورية، وأعلن الحشد أنها استهدفت حزب الله العراقي). وأعلنت إسرائيل استهداف منزل قرب دمشق، في سورية، زاعمة أنّ خلية من حزب الله، تعد فيه، لتفجيرات ضد أهدافا إسرائيلية بطائرة بدون طيار، بدعم من فيلق القدس الإيراني، (نفى حزب الله ذلك). ثم سقطت طائرة بدون طيار إسرائيلية، وانفجرت اخرى، فوق الضاحية الجنوبية، في بيروت، معقل حزب الله الأهم إعلامياً وسياسيا وربما سكانياً، في لبنان، ثم قصفت أهداف في لبنان، للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين- القيادة العامة، التابعة لسورية. هناك طرق عديدة لقراءة هذا المشهد، أهمها، أنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، يوجه رسالة للناخبين عشية الانتخابات، أننا جنبناكم طائرات بدون طيّار متفجرة يقف وراءها حزب الله وإيران، من سورية، وأننا "وصلنا حتى العراق"، وفجرنا لكم مستودعات سلاح كانت معدة للذهاب لحزب الله في سورية. والأمر يحمل رسالة أيضاً للمنطقة العربية، ولبعض الدول على الأقل، "نحن ندمر لكم مخطط إيران: الحشد الشعبي في العراق، مليشيا تستهدف المنطقة، تضاف للحوثيين في اليمن، وتتصل بحزب الله وفيلق القدس في سورية؛ ورسالة إسرائيل هنا، أنّه: إذا كانت الولايات المتحدة الأميركية بطيئة ولا تتحرك، فنحن نتحرك. وهناك رسالة أيضاً لإيران ولروسيا والنظام السوري وحزب الله اللبناني، أنّه يجب التوصل لترتيبات أمنية جديدة، وإلا سنستمر في "إحراجكم". لا يوجد في الردود العراقية أو الإيرانية أو من حزب الله في لبنان، ما يشير إلى تصعيد مفتوح متوقع. رد الفعل الذي حذر منه حسن نصر الله، أن يُسقط الطائرات من غير طيار الإسرائيلية، وأن يعيد تفعيل العمل العسكري ضد إسرائيل، الذي توقف بموجب تفاهمات 2006، طالبا تدخل السياسيين اللبنانيين لدى الولايات المتحدة لمنع إسرائيل من تغيير قواعد الاشتباك، وعدا هذا لا يبدو هناك جديد أو محدد فيما قاله نصرالله. ورد الفعل الرسمي العراقي، المعلن، هو عدم الرغبة بالانجرار للخلاف الإيراني الأميركي، ورد الفعل السوري، هو ذاته كلما استهدف فيها الإسرائيليون أهدافاً في سورية، أي انعدام رد الفعل، وتبدو غزة المكان الوحيد الذي ترسل مجموعات منها، صواريخ منها، يتدخل الوسطاء، وقادة حركة "حماس" سريعاً لاحتواء الموقف فيها، مع بقاء احتمالات عدوان إسرائيلي أوسع قائمة هناك، دائماً. الجديد في المشهد: أولا، الاستخدام المكثف للطائرات من غير طيّار، ثانياً، أنّ إسرائيل تواصل تصوير نفسها بأنها المتحرك الوحيد ضد إيران وأذرعها، وأن من يريدون مواجهة سياسات طهران يحتاجونها. ثالثاً، رسالة أن العراق بات مثل سورية ولبنان، مستباحاً للتحرشات و"للتنمر" الإسرائيلي. ورابعاً، إحراج إيران وأذرعها، بالاستمرار باستفزازها، ما يجعلها أمام خيارات الانجرار لمواجهة لا تريدها حالياً، على الأقل مع إسرائيل، أو الصمت وخسارة شعبيتها وخسارة صورتها باعتبارها محور المقاومة، أو الموافقة عبر روسيا والأوروبيين وغيرهم على ترسيم حدود العلاقة في لبنان وسورية وغيرها. المشهد بالغ القتامة، من حيث العبث الإسرائيلي لأغراض تكتيكية، وضعف ردود الفعل العربية والدولية. أكثر ما هو قاتم في المشهد، الفشل الإقليمي والدولي، على ترتيب الملفات المختلفة، داخل دول المنطقة وفيما بينها، وهو ما يشكل الفرصة السانحة للاعتداءات الإٍسرائيلية الهادفة لمكاسب تكتيكية مختلفة، وهي اعتداءات لا تخلو من العبث الموجه لأغراض انتخابية وسياسية إسرائيلية داخلية.اضافة اعلان