المصائب تذكر بنعم الله

تسهم المصائب في تكفير الذنوب ورفعة الدرجات إذا ما صبر الإنسان ورضي بقضاء الله - (أرشيفية)
تسهم المصائب في تكفير الذنوب ورفعة الدرجات إذا ما صبر الإنسان ورضي بقضاء الله - (أرشيفية)

يفهم كثير من الناس أنّ المصائب التي يتعرضون لهم في حياتهم الدنيا على أنّها محطّات تقهقر وتراجع، أو للانتقام والإهانة، دون أن يستنبطوا الحكم الكثيرة التي أسرّها الله سبحانه وتعالى في هذه المصائب.  اضافة اعلان
لذلك فإن من أهم أسباب المصائب التي يتعرض لها الإنسان التذكير بنعم الله تعالى عليه، لأن الإنسان الذي خلق مبصراً -مثلاً- ينسى نعمة البصر، ولا يقدرها حق قدرها، فإن ابتلاه الله بعمى مؤقت ثم عاد إليه بصره أحس بكل مشاعره بقيمة هذه النعمة. فدوام النعم قد ينسي الإنسان هذه النعم فلا يشكرها، فيقبضها الله منه ثم يعيدها إليه تذكيراً له بها ليشكرها.
بل إن في المصائب تذكيراً للإنسان ولغيره بنعم الله، فإذا رأى الإنسان مجنوناً أحس بنعمة العقل، وإن رأى مريضاً أحس بنعمة الصحة، وإن رأى فقيراً يتسول أحس بنعمة المال، وإن رأى جاهلاً أحس بنعمة العلم، وكمن يبتلى بولد معاق-مثلاً-  ففي هذا ابتلاء لأهله جميعاً، وابتلاء له عندما يكبر، وامتحان للمجتمع هل يرعاه أم لا، وتذكير للآخرين بنعمة الله عليهم. فإن صبر الوالدان والأهل، وصبر المبتلى، وأدى المجتمع حق المعاق، وتذكر الناس نعم الله عليهم فإن الجميع يؤجر على ذلك كل بحسب درجته.
وإن ما يراه الإنسان مصيبة قد لا يكون في الحقيقة كذلك، لأن الإنسان قد يرى جانباً من الأمر، وتخفى عليه جوانب أخرى أكثر أهمية، ثم يكتشف مع مرور الوقت بعض الجوانب الحسنة لما حدث. وقد يصل إلى قناعة أحياناً أن ما حدث كان خيراً ولم يكن مصيبة، قال تعالى: "وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُون". سورة البقرة 216. فقد يكون الأمر إذن خيراً لدينه وآخرته، بل قد يكون خيراً لدنياه أيضاً.
هكذا يشعر من كان له قلب متفتح يقظ، أما الذين لا قلوب لهم فلا يشكرون على نعم الله بل يبطرون، ويتكبرون على خلق الله!.
ورد في الحديث القدسي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(يقول الله تعالى: ما لعبدي المؤمن عندي جزاءُ إذا قبضتُ صَفِيَّهُ مِن أهل الدٌنيا ثمّ َاحتسبه إلا الجنة). صحيح البخاري.
والمصائب من سنن الله تعالى في الكون، وكل إنسان لابد أن يصاب بشيء منها، يقول تعالى: "وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِين"، سورة البقرة 155. ويقول سبحانه: "أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ". سورة البقرة 214.
كما أن المصائب ليست بالضرورة للانتقام والإهانة، قال تعالى: "وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ، كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيم"، سورة الفجر 16، 17. وإنما هي امتحان له حكم كثيرة، منها:
-التمحيص، فالشدائد تكشف حقائق الناس وتميز الطيب من الخبيث، والصادق من الكاذب، والمؤمن من المنافق، وفي ذلك فائدة عظيمة للمجتمع الإسلامي، يقول الله سبحانه وتعالى في الآيات التي تتحدث عن غزوة أحد وما نال المسلمين فيها، مبيناً جانباً من الحكمة في هذا الابتلاء: "مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ". سورة آل عمران 179. كما أن الشدائد تميز للإنسان الأصدقاء الحقيقيين من أصدقاء المصلحة، قال أحدهم:
جزى الله الشدائد كل خير
    وإن كانت تغصِّصني بريقي
وما شكري لها إلا لأني
عرفت بها عدوي من صديقي
-تكفير الذنوب، فقد يختار الله تعالى للإنسان أن يعاقب بذنبه في الدنيا وأن لا يؤجل له إلى الآخرة، ولا شك أن عذاب الدنيا مهما عظم فهو أخف من عذاب الآخرة مهما صغر قال تعالى: "وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُون"، سورة القلم 33. والنصوص في تكفير الذنوب بالمصائب كثيرة جدا منها قوله صلى الله عليه وسلم:(ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله وما عليه خطيئة).
وقوله صلى الله عليه وسلم:(إذا أراد الله بعبده الخير عجَّل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد بعبده الشر أمسك عنه بذنبه حتى يوافي به يوم القيامة).
وعن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه). والنصب هو التعب، والوصب هو المرض.