المصارف الإسلامية والحاجة إلى الاندماج

نحن اليوم أمام حالة متحركة من التغيرات المستمرة على حركة المصارف الإسلامية؛ منها التغيرات المحلية والإقليمية والدولية وما رافق ذلك من اتفاقيات دولية بعضها يمس المصارف الإسلامية بشكل مباشر أو غير مباشر؛ مثل اتفاقية تحرير تجارة الخدمات المالية واتفاقية بازل 3، ودخول بعض المصارف العالمية التقليدية لمعترك أساليب العمل المصرفي الإسلامي من خلال فتح نوافذ لهذا الخصوص كما في المصارف الإسلامية. ومع تقديرنا لأهمية هذه النوافد في مجال توسع أساليب التمويل الإسلامي، إلا أنها تمثل كذلك منافسة جدية للاستحواذ على حصة هذه المصارف في الأسواق المالية العالمية. اذاً نحن أمام تحديات تثير المخاوف أمام المصارف الإسلامية صغيرة الحجم غير القادرة على مواجهة هذا العالم المتغير إما بسب صغر رؤوس أموالها أو لعدم قدرتها على المنافسة في السوق المصرفية الدولية.
ولهذا، فإننا مطالبون بوضع استراتيجية عاجلة لتحديد برامج تهدف الى تحقيق الاندماج بين هذه المصارف اذا أرادت الاستمرار وتطوير أدائها وكفاءتها حتى تتمكن من مواجهة هذه التحديات والتغيرات وبعث الثقة لدى عملائها وبما يمكنها من الدخول في المنافسة على قاعدة صلبة وواثقة من نفسها، وهذا يتطلب إجراء بعض الخطوات الضرورية؛ مثل إعادة الهيكلة وزيادة رؤوس الأموال وجميع الإجراءات التي من شأنها أن تحقق خطوة باتجاه الاندماج.
إن تحقيق الاندماج يؤدي الى وجود كيانات مالية قوية وعملاقة قادرة على الصمود أمام هذه المتغيرات العالمية في الصناعة المصرفية والمالية، وهو فرصة للبقاء والنمو؛ إذ لا مكان لهذه المصارف الصغيرة في عالم يعصف بالمخاطر وهي غير قادرة على مواجهة كل هذه التحديات، مما يؤدي الى زيادة المخاطر في أدائها ويقلل من فرص استمرارها وتقدمها، كما أن الاندماج سوف يؤدي الى توحيد المعايير المالية والمحاسبية والشرعية المتبعة في هذه المصارف وتطوير المنتجات المالية المنسجمة مع فلسفتها بدل التشتت في الآراء وفلسفة الأداء بما أن الشريعة الإسلامية هي المرجع الأول والأخير لجميع هذه المصارف.
إن الموارد المالية العربية والإسلامية المتاحة سواء منها العاملة في المصارف الإسلامية أو العاملة في المصارف التقليدية، والتي لديها الاستعداد للانتقال لأساليب التمويل الإسلامي، لديها القدرة على المساهمة في إنشاء سوق للأوراق المالية الإسلامية وتأسيس صناديق استثمار متنوعة.
وتسهم كذلك في تطوير وابتكار المزيد من المنتجات المالية التي تلائم فلسفتها والملتزمة بأحكام الشريعة الإسلامية، عدا عن توفر الموارد المالية الذي يعمل على تحقيق الثقة لدى المتعاملين، مما يرفع من قدرة هذه المصارف على جمع المدخرات سواء التي تبحث عن الربح الحلال أو تلك التي تبحث عن العائد الأفضل، مما سيوفر بيئة تمويلية وخدمية ذات جودة وكفاءة عالية.
كل هذا سيمهد الطريق لتحقيق الاندماج المنشود والوصول الى التكامل بين المصارف الإسلامية، مع مراعاة بعض الخصوصيات لبعض المصارف والناجمة عن طبيعة العلاقة مع المصارف المركزية سواء من جانب السيادة لهذه المصارف أو لغياب التشريعات والقوانين الناظمة لعملها؛ حيث تعتبر العديد من المصارف المركزية عملية الاندماج المصرفي شأنا تنظيميا داخل النظام المصرفي الوطني، وما عدا ذلك يخضع لقوانين وشروط الاستثمار الخارجي.
إننا نقر بصعوبة هذا المطلب وأمامنا الكثير من الخطوات التي يتوجب علينا أن نحققها، لكننا واثقون من إمكانية التحقيق وأن أي خطوة بهذا الاتجاه ستكون إضافة نوعية ومتميزة للعمل المصرفي الإسلامي.

اضافة اعلان


*جامعة العلوم الإسلامية العالمية