المصارف العربية أمام مسؤولية المشاركة في النهوض بالاقتصاد

Untitled-1
Untitled-1
عدنان أحمد يوسف* تشير قاعدة بيانات اتحاد المصارف العربية إلى أن الموجودات المجمعة للقطاع المصرفي العربي بلغت نحو 3.71 تريليون دولار في نهاية العام 2019، بزيادة نحو 7.1 % على نهاية العام 2018، وأصبحت بالتالي تشكل نحو 137 % من حجم الناتج المحلي الإجمالي العربي. وبلغت الودائع المجمعة للقطاع المصرفي العربي نحو 2.34 تريليون دولار، محققة نسبة نمو بنحو 5.6 %، وبلغت حسابات رأس المال نحو 432 بليون دولار، مسجلة نمواً بنحو 7.5 % عن نهاية العام 2018. كما تشير التقديرات إلى أن حجم الائتمان الذي ضخه القطاع المصرفي في الاقتصاد العربي حتى نهاية العام 2019 بلغ نحو تريليوني دولار، وهو ما يشكل نحو 75 % من حجم الناتج المحلي الإجمالي العربي، محققاً نسبة نمو بنحو 7 % عن نهاية العام 2018. ومنذ نشوب الأزمة العالمية العام 2008 وحتى بعد تفشي جائحة كورونا، لم نشهد انهيار أي من المصارف العربية المعروفة خلافاً لما حدث في الدول الصناعية من انهيارات. والسبب في ذلك، أن المصارف العربية اتبعت منذ البداية نهجاً محافظاً ولم تكن لديها عمليات مضاربية كبيرة أو أصول من المشتقات المالية الكبيرة التي أضرّت كثيراً بالمصارف في الدول الصناعية. ويمكن القول بصورة عامة إن النتائج المالية التي أعلنتها المصارف خلال النصف الأول من العام الحالي، أظهرت في معظمها انخفاضاً متفاوتاً في الأرباح، وهذا كان متوقعاً في ضوء؛ أولاً الظروف الاقتصادية والمالية الناجمة عن جائحة كورونا، وثانياً تطبيق المعيار المحاسبي الدولي. بعد تفشي فيروس كورونا المستجد في العالم، انصبت اهتمامات المصارف المركزية العربية على اتخاذ الإجراءات والتدابير الوقائية لتخفيف أثر انتشار الفيروس على المصارف من جهة، وعلى عملائها من جهة أخرى؛ حيث اتخذت العديد من الإجراءات الاحترازية والاستعدادات الطارئة في المجالات المالية والمصرفية والنقدية لتخفيف آثار انتشار الفيروس على مختلف القطاعات الاقتصادية والأسواق المالية، ومن بين هذه الإجراءات الموافقة على إعادة هيكلة أو تأجيل التمويل المقدم إلى العملاء من دون رسوم إضافية، وكذلك تقديم التمويل الضروري لعملاء القطاع الخاص الذين فقدوا وظائفهم. وبالتوازي، إطلاق برامج تحفيزية تستهدف دعم القطاع الخاص وتمكينه من القيام بدوره في تعزيز النمو الاقتصادي من خلال حزمة من الإجراءات، تهدف إلى تمكين القطاع. كما لجأت بعض المصارف المركزية إلى وضع حد يومي موقت لعمليات السحب والإيداع النقدي في فروع المصارف وأجهزة الصراف الآلي، وذلك بهدف الحد من مخاطر انتشار الفيروس، وتأجيل الاستحقاقات الائتمانية للشركات المتوسطة والصغيرة والمتناهية الصغر لمدة 6 أشهر، وعدم تطبيق أي غرامات على التأخر في السداد. والتزمت المصارف العاملة في الدول العربية، بالإجراءات والتعاميم الصادرة عن المصارف المركزية، بل وبادر الكثير منها في إطار المسؤولية الاجتماعية إلى تقديم تبرعات سخية ومبادرات مجتمعية متميزة لدعم جهود الحكومات لمقاومة تداعيات الفيروس. ونظراً الى أهمية المصارف العربية للاقتصاد العربي، سواء من حيث الحجم أو من حيث الدور الذي تلعبه، فإننا نتوقع أن تلعب هذه المصارف دور القاطرة لتحريك الاقتصاد ونشاطات الأعمال نحو التعافي التدريجي. بطبيعة الحال، نحن لا نقصد أن تتحول المصارف إلى جمعيات خيرية، ولكننا نعتقد أن الغالبية العظمى من النشاطات الاقتصادية ونشاطات الأعمال المتضررة تظل قابلة للتعافي والعودة إلى المسار الطبيعي فيما لو تم تقديم بعض المرونة والدعم التمويلي المؤقت لها، وعلى أن تقوم المصارف المركزية بدورها بتمكين المصارف من النهوض بهذا الدور من خلال توفير المزيد من خطوط السيولة بتكلفة أقل وإعادة النظر مؤقتاً في المتطلبات الرقابية والتنظيمية وتشجيعها على تأسيس صناديق جماعية لمواجهة تلك التداعيات بصورة أوسع وبتكلفة أقل. إن على المصارف العربية أن تواكب، خلال المرحلة المقبلة، وأن تسعى لدعم جهود الحكومات العربية في تحريك عجلة الاقتصاد وتحسين الإنتاجية وتنشيط الاستثمار. ومن أبرز الإجراءات الضرورية لتحقيق هذه الأهداف تسهيل حركة القطاع الخاص والمساهمة في تكبير حجم التمويل المتوافر للشركات، لا سيما المؤسسات الصغيرة والمتوسطة. فاستكمالاً للمبادرات التي أطلقتها وزارات المال والمصارف المركزية في عدد كبير من الدول العربية خلال الأشهر الستة الماضية، هناك ضرورة حالياً لإعادة ضخ حيوية وتمويل لتنشيط حركة القطاع الخاص، إضافة إلى دعم بعض القطاعات الأكثر تأثراً بالأزمة كالسياحة والطيران والزراعة، وهذه كلها تلعب المصارف العربية دوراً رئيسياً في تمويلها. كذلك، من المستجدات خلال جائحة كورونا، قطاع التكنولوجيا الذي أسهم مساهمة كبيرة في تحسين قدرة المجتمعات والاقتصادات على مواجهة آثار الأزمة. وعليه، من الضروري استفادة دول المنطقة من هذا التطور، خصوصاً أنها تمتلك مجتمعات شابة ومتعلمة، وبالتالي من الضروري الاستثمار في التكنولوجيا للتحول إلى قطاع منتج ومولد للوظائف، وهنا أيضاً نرى أن المصارف العربية تقدم نماذج متقدمة في التحول الرقمي، وعليها أن تسعى لتعميم هذه النماذج في النشاطات الاقتصادية كافة. كذلك على المصارف أن تعمل مع الحكومات العربية من أجل التخفيف من أعباء الديون الحكومية من خلال المساهمة في جدولة هذه الديون التي ارتفعت بعد جائحة كورونا، بخاصة أن الحفاظ على الاستقرار المالي هو خط الدفاع الأول لدى الدول العربية، وأن عدد بلدان المنطقة ذات مستوى الدَّين المرتفع زاد زيادة ملحوظة في الأعوام الأخيرة، لا سيما الدول المستوردة للنفط التي يعاني ثلثاها من مستوى دَين يفوق نسبة 80 في المائة من ناتجها المحلي، ما يستوجب التنبؤ والتحوط لمخاطر ارتفاع الدَّين، وتخفيف مخاطر ارتفاع العجز على الاقتصاد. وأخيرا، فإن هذه الجهود ستحصل على زخم أكبر وأوسع بزيادة مساحة التعاون الاقتصادي العربي لتوسيع حجم السوق، ولا سيما مع بروز تحديات جديدة في ما يتعلق بمنظومة التجارة العالمية وسلاسل الإمداد وضرورة تنويع مصادر الإنتاج. إن زيادة الحركة التجارية والاستثمارية والخدماتية في الدول العربية سوف تسهم، ليس في تعزيز آفاق التعافي الاقتصادي من جائحة كورونا فحسب، بل وتعزز آفاق النمو في المستقبل. *رئيس اتحاد المصارف العربية سابقا، رئيس جمعية مصارف البحريناضافة اعلان