المصالحة الفلسطينية غائبة في زمن "كورونا" وخطط الضم الإسرائيلية

نادية سعد الدين

عمان - تغيب المصالحة الفلسطينية للعام الثالث عشر على التوالي وسط توعد سلطات الاحتلال الإسرائيلي بتنفيذ مخطط ضم مساحات شاسعة من أراضي الضفة الغربية قريباً، وإمعان عدوانه ضد الشعب الفلسطيني، وفي ظل انتشار فيروس "كورونا" في الأراضي المحتلة رغم جهود مكافحة الوباء، الذي لا يزال العالم يُقارِع تبعات تفشيه المتسارعة حتى الآن.اضافة اعلان
وبالرغم من المساعي المحلية والدولية الحثيثة لإنهاء الإنقسام الفلسطيني، الممتد منذ العام 2007، سبيلاً مضاداً لتحديات المرحلة المقبلة، إلا أن صوت التراشق الإعلامي بين حركتي "فتح" و"حماس" لتبادل اتهامات مسؤولية فشل المصالحة، يبقى سيد الموقف الحاضر على خط رام الله – قطاع غزة المحاصر إسرائيلياً.
بينما تظل الملفات العالقة بين الطرفين مفتوحة البحث اللامتناهي دونما حل، وسط تأكيد "فتح" و"حماس" حرصهما على إنجاز المصالحة وتحقيق الوحدة الوطنية، ولكن بدون الإقدام على خطوة ناجعة في هذا الطريق الشائك.
يأتي ذلك على وقع استمرار سلطات الاحتلال لانتهاكاتها العدوانية ضد الشعب الفلسطيني، فضلاً عن المضي قدماً في مخطط ضم غور الأردن وشمال البحر الميت والمستوطنات في الضفة الغربية، والذي يتصدر مهام الحكومة الإسرائيلية الجديدة، بالرغم من توالي أصوات الرفض الدولية له، أسوة بموقف الإتحاد الأوروبي الذي أعلنه أمس.
فقد حذر الاتحاد الأوروبي، في بيان صادر عن الممثل الأعلى للأمن والسياسة الخارجية للاتحاد جوزيب بوريل، ونشر على صفحة الاتحاد الأوروبي الرسمية، "سلطات الاحتلال من اتخاذ قرارات أحادية الجانب في ضم أراضٍ فلسطينية بالضفة الغربية المحتلة"، مؤكداً "عدم اعترافه بأي تغييرات دون اتفاق الجانبين".
وقال بوريل إن الاتحاد يدعو سلطات الاحتلال "بحزم إلى الامتناع عن أي قرار أحادي الجانب من شأنه أن يؤدي إلى ضم أراضٍ فلسطينية محتلة، بما يناقض القانون الدولي".
واعتبر بوريل أن "حل الدولتين مع كون القدس العاصمة لهما هو السبيل الوحيد لتحقيق السلام والاستقرار المستدامين في المنطقة"، مضيفاً أن "الاتحاد الأوروبي لن يعترف بأي تغييرات على حدود 1967 ما لم يتفق الإسرائيليون والفلسطينيون على ذلك".
وبموجب بنود الإتفاق الذي عقده حزبه "الليكود" مع حزب "أزرق أبيض" ينوي رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في خطوة غير قانونية من وجهة نظر القانون الدولي، اتخاذ خطوات رامية إلى بسط السيادة الإسرائيلية على أجزاء من الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما يتفق مع "صفقة القرن" الأميركية.
ملفات عالقة ومصالحة غائبة
بيد أن إمعان الاحتلال في عدوانه ضد الشعب الفلسطيني، والذي كان آخره أمس بشن حملة اعتقالات واسعة في البلدة القديمة في مدينة القدس المحتلة، بعد مداهمة المنازل وتخريب محتوياتها، لم يشفع في سعي "فتح" و"حماس" لتقريب وجهات النظر من أجل تحقيق المصالحة الفلسطينية، التي غابت أيضاً عن جهود مواجهة "كورونا" الذي تسبب في "إصابة 567 فلسطينياً، فيما بلغ عدد الإصابات النشطة 99 إصابة في الأراضي المحتلة"، وفق وزيرة الصحة في حكومة رام الله مي الكيلة.
وتتصدر قضايا سلاح المقاومة والبرنامج السياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية وتشكيل حكومة الوحدة الوطنية أبرز الملفات العالقة بين حركتي "فتح" و"حماس" من أجل إنجاز المصالحة.
كما لا تزال هناك الكثير من المسائل العالقة بين الطرفين ولم يتم التوصل إلى اتفاق بشأنها؛ وكان آخرها ملف موظفي قطاع غزة، المقدرين بنحو
40 - 50 ألف موظف، وتمكين حكومة الوفاق الوطني من أداء عملها وممارسة مهامها في قطاع غزة.
وتتناول ملفات المصالحة، أيضاً، توحيد الوزارات والمؤسسات، والأجهزة الأمنية، والحريات العامة، والشؤون المدنية الحياتية ورفع الإجراءات التي اتخذتها رام الله بحق قطاع غزة، ووقف الاعتقال السياسي وعدم الملاحقة الأمنية في غزة والضفة الغربية وتوفير المناخ الإيجابي والأجواء المناسبة لإجراء الانتخابات.
ويستند التوافق بشأن الملف الأمني إلى اتفاق العام 2011، بحسب مصادر مطلعة لـ"الغد"، وذلك عبر "دمج الأجهزة الأمنية في إطار السلطة الفلسطينية، ضمن أجهزة الشرطة والأمن الداخلي والمخابرات العامة"، مع التأكيد على أن سلاح المقاومة غير مطروح للبحث، مع ترك قرار السلم والحرب إلى الشراكة الوطنية.
ومن المفترض أن يمهد الاتفاق بين الطرفين إلى اجتماع وطني شامل لمختلف الفصائل الفلسطينية، الموقعة على اتفاق 2011، لبحث تشكيل حكومة وحدة وطنية وإجراء الانتخابات العامة خلال ستة أشهر، والبحث في مسائل القضاء، والاقتصاد، والبرنامج السياسي.
وكانت حركة "حماس" قد أكدت، مؤخراً، أنها "تعاملت مع موضوع المصالحة مباشرة بعد الإنقسام من منطلق ثابت واستراتيجي، وأنها قدمت الكثير من المبادرات والمرونة من أجل إحداث اختراق حقيقي لإنهاء الإنقسام".
وأكد رئيس المكتب السياسي لحماس، إسماعيل هنية، أن الحركة "بادرت مؤخراً بالاتصال بالرئيس محمود عباس، وحضور الإجتماع في رام الله لمواجهة "صفقة القرن"، وأعلنت قبولها استقبال وفد من الضفة الغربية إلى قطاع غزة"، كما قبلت "بإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية، رغم أنه كان من الأساس أن تكون انتخابات المجلس الوطني معها".
ونوه إلى أن "نقطة الخلاف تمثلت في اشتراط السلطة الفلسطينية أخذ موافقة الاحتلال قبل إصدار المرسوم، فيما رأت "حماس" ضرورة صدور المرسوم، ومن ثم خوض المعركة مع الاحتلال لنفرض عليه إجراء الانتخابات في القدس". وأكد ضرورة إنجاز المصالحة وتحقيق المصالحة الوطنية، "فنحن أمام منعطف تاريخي وتهديد استراتيجي".
من جانبه، أكد عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح"، روحي فتوح، في تصريح سابق، أن "أيديهم ممدودة لإنهاء الإنقسام، من أجل مواجهة عدوان الاحتلال، و"صفقة القرن"، وتفشي فيروس "كورونا".
وأكد فتوح أن "الوحدة الوطنية والانصهار في جسم منظمة التحرير، بصفتها "الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني" هي الطريق الوحيد لإنهاء كل المشاكل الصغيرة والكبيرة"، بحسب قوله.
وكان الرئيس محمود عباس قد كلف، في بداية شهر شباط (فبراير) الماضي، ثلاثة من أعضاء اللجنة المركزية للتوجه إلى قطاع غزة، ولقاء قيادة حركة "حماس" والمنظمات الفلسطينية التي شاركت في اجتماع القاهرة في 22 (نوفمبر) 2017، واجتماع موسكو 2019، غير أن الجهود لم تفلح في كسر حدة الجمود الراهن.