المطلوب رأس الأردن

في الأشهر القليلة الماضية عانت الجبهة الأردنية الداخلية من ضغوط غير مسبوقة، رافقتها حملة ممنهجة لشحن القوى الاجتماعية ضد النظام السياسي، وتأزيم الأزمات الاقتصادية والمعيشية، والطعن بمصداقية الموقف الرسمي من الخطة الأميركية الموعودة للسلام.

اضافة اعلان

للوهلة الأولى بدا أن ما يحصل مجرد ردود فعل ساخطة على سياسات حكومية واختلالات في أداء المؤسسات، لكن ليس هذا فحسب؛ عند التدقيق في السياق العام لهذه الحملات، تشعر بوجود أيد خفية تحرك ممثلين على المسرح، واكثر من ضابط إيقاع يشرف على إدارة الحفل، خاصة عبر وسائل التواصل الاجتماعي. سلسلة من المواقف والسياسات والتدخلات الرسمية والوطنية ساهمت في فرملة الحملات وإبطال مفعولها، أهمها تصدي الملك شخصيا لمحاولات تشويه الموقف الأردني حيال القضية الفلسطينية، واللاءات الثلاث التي أطلقها بشأن ثوابت الموقف الأردني، وما صاحب ذلك من تفاعل شعبي كبير وإسناد وطني لموقف الملك والدولة الأردنية.

البرلمان والأحزاب وحتى قوى المعارضة، وقفت في خندق الملك بلا تردد، وبفعل ذلك تم إسقاط أهم أوراق الحملة ضد الأردن، فالمطلوب كان وما يزال رأس الأردن لتركيعه.

الحكومة من جانبها أظهرت تحسنا ملموسا في الأداء، بعد تصويب جوهري لسياساتها وأولوياتها، ونجحت بعد سلسلة من القرارات والإجراءات في محاكاة أولويات الناس وهمومهم، وتهدئة المخاوف من موجات غلاء جديدة، وإنصاف فئات اجتماعية متضررة من سياسات التصحيح الاقتصادي.

قد تبدو هذه الخطوات في نظر البعض محدودة وأولية، وهذا صحيح لكنها فتحت طاقة الأمل، بحيث تمكنا من دخول شهر رمضان المبارك بأجواء مريحة نسبية، عكستها حالة الإقبال الشعبي على الأسواق بعد تخفيض أسعار السلع بشكل ملموس.

جملة التغييرات الأخيرة في مواقع سيادية متقدمة، بعثت برسالة إيجابية للرأي العام، وعززت الانطباع بجدية القيادة في تصويب الاختلالات، وضبط الإيقاع العام وتجويد أداء المؤسسات، كما أن الإقدام على التصدي بشجاعة لحملات التشكيك الخارجية وبعض الأصوات في الداخل، ساهمت في استعادة الوعي العام بخطورة المرحلة والحاجة لتكاتف وطني لعبور واحدة من محطات التاريخ الأردني الدقيقة والحساسة.

لم تزل طاولة الحوار الوطني مثقلة بالملفات الملحة والأسئلة الكثيرة، والمطالب الإصلاحية، لكن ثمة تفهم عام أكبر من السابق بحاجتنا لبرمجة أولوياتنا، وتركيز الجهود لتجاوز مرحلة الخطر السياسي والاقتصادي ومن ثم التفرغ لمهمات أخرى.

النقطة الجوهرية التي ينبغي تذكرها كل يوم، هى أن وضع الأردن هو العنصر الحاسم في تقرير مصير خطط ومبادرات التسوية المطروحة للقضية الفلسطينية.

جميع قضايا الحل النهائي تمر عبر البوابة الأردنية، ولا حل ولا سلام دون موافقة الأردن على تسويات نهائية تضمن الحقوق العادلة للشعب الفلسطيني. الأردن الضعيف بوابة التصفية لهذه الحقوق، والأردن القوي هو الطريق للحل العادل والمنصف.

ومن هذا المنطلق لكم أن تقرأوا الضغوط الاقتصادية التي نعاني منها والمضايقات التي نتعرض لها. يتعين علينا إذا الإمساك بالحلقة المركزية، وكل ما تبقى مجرد تفاصيل، للمحافظة على الأردن قويا متماسكا، بخلاف ذلك يصبح الشعور بالخطر أمرا مشروعا.