المعاهدة والغاز والأقصى

تدخل إدارة المصالح الوطنية في العلاقات الأردنية الإسرائيلية منطقة يصعب الحكم عليها، في ضوء دقة الظروف ومحدودية الخيارات وتراجع فرص المناورة، سواء في الملفات السياسية أو الاقتصادية. اضافة اعلان
هذه الأيام، نشهد مفارقات تحتاج إعادة تفكير ومراجعات من نوع آخر، بعيدا عن الانفعالات والبحث عن الشعبية. والمقصود هو الأيام التي تشهد الذكرى الثانية والعشرين لمعاهدة السلام الأردنية الإسرئيلية، بالتزامن مع محاولة الحكومة تمرير اتفاقية شراء الغاز من إسرائيل، والتي تواجه رفضا من اتجاهات واسعة من الرأي العام، وأيضاً في الوقت الذي يواجه الأردن حملة إسرائيلية مسعورة بعد قرار "اليونسكو" التاريخي الذي أكد، بشكل واضح، عدم وجود أي علاقة تاريخية لليهود مع المسجد الأقصى ومحيطه.
في افتتاحية صحيفة "جيروزالم بوست" الإسرائيلية يوم الخميس الماضي، بدت نغمة سياسية جديدة في استعراض الصحيفة لذكرى معاهدة السلام. إذ ذهبت الصحيفة إلى أن الأردن لم يعد صديقاً لإسرائيل؛ استنادا لاستعراض سلسلة من المواقف الأردنية التي وُصفت بالمعادية، وآخرها دور الأردن في قرار "اليونسكو" حيال "الأقصى"، إذ إن الأردن هو مَنْ كتب مسودة المشروع المُعادي لإسرائيل في المنظمة الدولية، وساهم بقيادة دبلوماسية دولية نشطة في هذا الملف خلال الأسابيع الماضية. وفي الوقت الذي تؤكد أن الأردنيين، وفق استطلاعات الرأي العام، هم الأكثر معاداة لإسرائيل، وأنهم يحمّلونها المسؤولية عن الحروب في العالم كافة، فإن الصحيفة تذهب كذلك إلى القول إن القيادة الأردنية تسعى إلى إحراج إسرائيل دوليا، وتتخذ مواقف معادية لها. وتستذكر في هذا السياق مواقف أردنية، سواء في الأمم المتحدة أو المنظمات الدولية الأخرى.
وتعود الصحيفة الأكثر موثوقية عند الإسرائيليين إلى القول إن الأردن يعد اليوم جزيرة مستقرة وسط بحر من الفوضى والاقتتال في الجوار. لكنه -والقول ما يزال لـ"جيروزالم بوست"- لم يعد صديقا أو حليفا لإسرائيل، "بل من الحماقة أن ننظر إليه بهذه الصورة"؛ إن السلام البارد بين الأردنيين والإسرائيليين يمضي نحو المزيد من البرودة.
بالفعل، تمرّ هذا العام الذكرى الثانية والعشرون لمعاهدة السلام وسط تفاعلات سياسية واسعة، وبالمزيد من الانفعالات الشعبية بفعل رائحة اتفاقية الغاز التي لا تلاقي شعبية في أوساط الأردنيين. وسط هذه المعادلة الصعبة، نحتاج إلى التفكير مليا في إدارة المصالح. وهذه المراجعة المطلوبة ليست رسمية فقط، بل شعبية ونخبوية أيضا. وما نحتاجه هو المزيد من الشفافية والوضوح حول ما الذي يدفع بالدولة لهذا الخيار بالفعل، ووضع الناس أمام الخيارات الفعلية، وأمام حصاد المعاهدة، وأن حبل الود بين عمان وتل ابيب ليس كما تتصوره بعض النخب في عمان، فالمسألة أكبر بكثير من الانفعالات التي تبحث عن الشعبية في بيانات نارية على شاشات التلفزيون. بل نحتاج إلى التعرف على حقيقة الخيارات المتاحة أمام الأردن إذا كان هناك من خيارات في الأصل، وما حدود المناورة حتى في ملف الغاز، وحقيقة التحديات التي تواجه الأردن في إدارة مصالحه ومصالح الفلسطينيين مع إسرائيل.