المعلمون وعراقيل الإصلاح

منذ فترة يصعد المعلمون ونقابتهم ضد خطوات وزارة التربية والتعليم الإصلاحية، ويلوحون بإجراءات تصعيدية جديدة في حال مضت الحكومة بتنفيذ رؤيتها لتعديل بعض الاختلالات القائمة.اضافة اعلان
باختصار، المعلمون يحتجون على نظام تقييم الأداء المعتمد من ديوان الخدمة المدنية والذي يفرض تقييما سنويا على المعلم، وحجتهم أن النماذج غير عادلة ولا تراعي خصوصية المهنة، وهم غير محقين في هذه الجزئية، بيد أن كل الحق معهم بالاحتجاج ورفض الجزئية التي توجب منح تقييم ضعيف لنسبة 2% من إجمالي الخاضعين للتقييم، ما يعرضهم للفصل.
الحقيقة أنه ما من داع للاحتجاج، لأن المعلمين يعلمون أكثر من غيرهم أنه يتم التخطيط والتوجه ليتم استثناؤهم من نظام الخدمة، وأن العمل بدأ منذ تسعة أشهر على وضع نظام خاص لمزاولة المهنة والمسار الوظيفي من قبل الوزارة بالشراكة معهم، وأن العمل يكاد يكتمل لإنجاز المهمة، ما يجعل الرفض والتصعيد مستهجنين.
بحسب المعلومات، النظام الذي سيوضع سيراعي خصوصية مهنة التعليم ويكرس مبادئ تطويرها وتمكين المعلمين، ويعمل على تحديد معايير التصنيف والترفيع والمكافآت، ما يساعد على إعادة الهيبة لمهنة المعلم.
القصة الأخرى التي ينتفض في وجهها المعلمون وتتعلق ببصمة العين التي تضمن الالتزام بالدوام وإعطاء الطلبة حقوقهم. الحجة تبدو واهية، ففي أي مؤسسة ثمة نظام وآليات للضبط متبعة لهذه الغاية.
من حق المعلمين أن يحتجوا وأن يقدموا ملاحظاتهم على أداء الوزارة، بيد أن المأخذ عليهم هو وقوفهم في وجه إجراءات تستهدف رفع سوية التعليم التي تقهقرت خلال السنوات الطويلة الماضية حتى صرنا نخرج طلبة أميين.
الأمثلة كثيرة على تراجع التعليم، والشواهد متعددة على الظلم الواقع على الطلبة وانتهاك حقهم في التعليم على يد بعض المعلمين، ما يحتاج فعلا إلى خطوات تعيد ترميم الخلل وتضبط العملية التربوية. والنقابة هنا عليها أن تكون شريكا في العلاج لا حائط صد في وجهه!
الملاحظة الأخرى في لغة نقابة المعلمين هي استخدام اللغة ذاتها التي يلجأ إليها بعض المسؤولين، أحيانا، لإجهاض أي مطالب والضغط على حرية التعبير من باب أن الاقتراب من النقابة؛ تلك المؤسسة الدستورية، يعد مساً بأمن الوطن واستقراره!
بصراحة؛ لا أعلم أين يكمن المس بأمن الوطن لو التزم المعلمون ببصمة العين لتنظيم الفوضى الحاصلة في أوقات دوام بعضهم، وكيف يكون المس بالوطن إن خضع المعلم لبرامج تقييم أداء هدفها الأول والأخير معالجة نقاط الضعف، وليس الانتقام من بعضهم!
الأساس الذي قامت عليه النقابة والفكرة من وجودها أن ترتقي بالعملية التعليمية بكل أطرافها؛ المعلم والطلبة والمنهاج والكتاب والمدرسة، وما تقوم به الوزارة لا ينفصل عن هذا الهدف، لذلك فالمصلحة العامة تتطلب موقفا مغايرا من قبل المعلمين ونقابتهم، إلا إذا كان الحفاظ على الوضع القائم بكل اختلاله هو مطلب النقابة.
الملاحظة الأخرى حول بيانات نقابة المعلمين ولغة اعتصاماتهم، فهم يخلطون الحابل بالنابل، وكأن الغاية تحريضية لا إصلاحية، فبعد كل الحديث والتصريحات عن عدم تعديل قانون الضمان الاجتماعي، تحديدا ما يتعلق بالتقاعد المبكر، ثمة سؤال مهم: ما علاقة تعديلات نظام الخدمة المدنية وبصمة العين التي تنظم الدوام بتهديد أمن الأردن والمصلحة العامة؟!
المصلحة العامة، يا سادة، هي تحسين مخرجات التعليم وتحسين أوضاع المعلمين وتطوير مهاراتهم. والمصلحة العامة أن نؤمن جميعنا بدولة القانون وسيادته. ومصلحة الأردن أن نعمل لتكريس دولة المؤسسات واحترام التشريعات لتكون النقابة أنموذجا حقيقيا للمؤسسات الوطنية التي تبني جسورا متينة للأجيال المقبلة للعبور للمستقبل.
الإصلاح دائما صعب ويواجه بعراقيل. والحال لدينا أن كل فئة أو قطاع يطالب بالإصلاح والتغيير طالما لا يمس مكتسبات حققها في سنوات الفوضى وغياب العمل الحقيقي، ربما من باب الأنانية أو بحثا عن الشعبوية، ليبقى السؤال: ما الضير من تقييم الأداء وبصمة العين إن كنا نؤمن، حقا، بإصلاح الاختلالات؟!