المغامراتية التركية والاعتداء على شمال العراق

1
1

ديفيد ليبسكا* - (أحوال تركية) 4/7/2020

أرسلت حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان في السنوات القليلة الماضية جنودًا أتراكاً للعمل في سورية وليبيا والصومال، وأضافت إلى تلك القائمة قبل نحو أسبوعين عندما نقلت وحدات المغاوير جواً إلى شمال العراق.
وكانت أنقرة قد شنت لسنوات وبانتظام غارات جوية على شمال العراق ضد حزب العمال الكردستاني المحظور، الذي قاد تمرداً داخل تركيا لمدة ثلاثة عقود، والمتمركز في سلسلة جبال قنديل العراقية. كما كانت الحكومة التركية ترسل أحيانًا جنودًا أتراكاً عبر الحدود لإنجاز مهمات قصيرة
ومع ذلك، قد ينتهي هذا الهجوم الجوي والبري مثل ذلك الذي يحدث في سورية المجاورة، حيث استولت تركيا واحتجزت قطعًا كبيرة من الأراضي خارج حدودها.
وقال الصحفي المقيم في السليمانية ومحلل الشؤون الكردية في السليمانية، بيستون خالد، لـ"أحوال تركية": "تخطط تركيا لإنشاء منطقة عازلة وكذلك لتقسيم الجغرافيا الكردية"، مضيفًا أن مثل هذه الخطوة ستكون غير مسبوقة في المنطقة ذات الأغلبية الكردية بشمال العراق.
وقال: "إن وسائل الإعلام التركية تقول بوضوح إن الهدف من هذه الاعتداءات هو تأسيس موطئ قدم هناك. إنها المرة الأولى التي تنشئ فيها تركيا سيطرة على أراضٍ في إقليم كردستان العراق".
بالتعاون مع المتمردين السوريين المحليين، سيطرت القوات التركية في السنوات القليلة الماضية على ثلاث قطع من الأراضي السورية، بما في ذلك منطقتين كرديتين، وهما عفرين في 2018 وشمال شرق سورية في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي. وفي كلتا الحالتين، ورد أن تركيا ووكلاءها ارتكبوا جرائم حرب وانتهاكات لحقوق الإنسان، مثل التطهير العرقي والقتل والإخفاء القسري، وفقاً لمجموعة منظمة العفو الدولية.
وعندما بدأ توغل أنقرة في شمال العراق، أثار هذا التوغل بالفعل مخاوف مماثلة. حيث أدانت "لجنة الولايات المتحدة حول حرية الديانات في العالم" هجوم تركيا وحثت أنقرة على التوقف بعد أن ضربت الغارات الجوية المناطق اليزيدية والمسيحية، مما أسفر عن مقتل خمسة مدنيين وفقاً لتقارير محلية.
وفي الأسبوع الماضي، أصابت غارة جوية تركية قرية كونا ماسي خارج السليمانية، مما أسفر عن مقتل رجل وإصابة ما لا يقل عن ستة مدنيين. وفي مقطع فيديو تم التقاطه في اللحظات الأخيرة قبل الضربة، شوهد رجلان ينزلان في بركة صغيرة، ويعلمان أبناءهما الصغار كيفية السباحة. وفجأة سمع انفجار هائل، وطارت الكاميرا بعيداً وبدأ الناس يصرخون.
وقال خالد: "هذه منطقة نزهة تبعد أقل من 20 ميلاً (32 كم) عن المكان الذي أعيش فيه"، معترفاً بأن التقارير اللاحقة وجدت أنه كان هناك مسلح يقود سيارته عبر المنطقة في ذلك الوقت. وأضاف: "تمتلك تركيا تكنولوجيا جيدة للغاية لمتابعة هذا الشخص وضرب الشاحنة الصغيرة في مكان لا يتأثر فيه المدنيون. لكن تركيا تحاول توصيل هذه الرسالة للأكراد بأن هذا تهديد لكم جميعاً".
ودافع وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، عن عمليات تركيا في شمال العراق الأسبوع الماضي، مشيراً إلى تزايد وجود حزب العمال الكردستاني في السليمانية، وهي منطقة حضرية يبلغ عدد سكانها حوالي 1.5 مليون شخص. وقال: "إنهم الآن في شوارع السليمانية ويسيطرون على مئات الأماكن".
وجادل خالد ضد هذا الرأي ورأى أنه جزء من جهود تركيا الأوسع لإزعاج وترويع الأكراد. وقال: "إذا قلت أن السليمانية تحت سيطرة منظمة إرهابية، فأنت تجرم أكثر من مليون ونصف شخص وتمنح نفسك الحق في قصف هذه المدينة".
من جهته، يرى غونيس مراد تيزكور، رئيس برنامج الدراسات السياسية الكردية في جامعة سنترال فلوريدا بالولايات المتحدة، أنه يمكن إرجاع جزء من اعتداءات أنقرة الحالية إلى الشراكة العسكرية للولايات المتحدة مع قوات سورية الديمقراطية الموالية للأكراد، التي تشكلت في العام 2015 كجزء من القتال ضد تنظيم "داعش". وقبل عامين، وسط فوضى الحرب الأهلية في سورية، كانت قوات سورية الديمقراطية قد أقامت جيبًا مستقلاً يعرف باسم "روجآفا" على طول الحدود التركية.
وقال تيزور: "عندما يكون لديك حزب كردي يسيطر على شمال سورية، فإن ذلك يولد قلقًا قوميًا ضخمًا في تركيا"، مضيفًا أنه على الأخص عندما يقف أحد حلفاء تركيا في "الناتو" إلى جانب تلك المجموعة الكردية، فإن ذلك يزيد من مخاوف تركيا. وأضاف: "كلما كان هناك هذا النوع من الاتصال بين الولايات المتحدة والجانب الكردي، فإنه يخلق حالة من عدم اليقين والخوف لدى الجهات السياسية التركية".
وعلى الرغم من أن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، تعهد في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي بقطع العلاقات مع قوات سورية الديمقراطية وسحب القوات الأميركية، والسماح لتركيا بدخول شمال شرق سورية، إلا أن القوات الأميركية ما تزال تعمل اليوم جنبًا إلى جنب مع قوات سورية الديمقراطية، وتقاتل بقايا "داعش" وتحمي العديد من حقول النفط.
ويبدو أن أردوغان وترامب توصلا إلى اتفاق، حيث يمنع وجود القوات الأميركية تركيا من محاولة المضي قدمًا في اجتياح المناطق الكردية الرئيسية في سورية، حتى مع غض أميركا الطرف عن اعتداءات تركيا الأوسع ضد الأكراد في مناطق أخرى.
وقال تيزكور: "يمكن للولايات المتحدة أن تمنع تركيا من التوغل الكامل في المناطق الكردية في سورية، لكن هذا لا يعني أن الولايات المتحدة تمارس الكثير من الضغوط على تركيا لتغيير سياستها الكردية".
وتمتلك تركيا الحرية إلى حد كبير في مواصلة اعتداءاتها على الممثلين الأكراد داخل تركيا؛ حيث أقالت وسجنت أكثر من 100 مسؤول منتخب من الحزب المعارض الرئيسي الموالي للأكراد، وتمسكت بالمناطق الكردية السابقة في سورية وعرّضت حياة المدنيين للخطر حتى في المناطق التي لا تسيطر عليها، كما فعلت عندما شنت غارة بطائرات من دون طيار الأسبوع الماضي وقتلت ثلاث نساء مدنيات بالقرب من مدينة عين العرب بحلب في سورية.
وفي شمال العراق، أنشأ الجيش التركي في الأعوام الأربعة الماضية أكثر من اثنتي عشرة نقطة مراقبة. وقال مسؤولون أتراك إنهم يخططون لإقامة المزيد من القواعد العسكرية في المنطقة لمنع حزب العمال الكردستاني من استعادة المناطق التي تم تطهيرها.
ورأى خالد في ذلك علامة واضحة على أن تركيا تخطط للبقاء، تمامًا كما فعلت في المناطق الكردية في سورية. كما أعرب عن قلقه من أن تركيا قد تكرر سياستها في ليبيا وتستورد الآلاف من المتمردين السوريين المتطرفين لتأمين منطقة عازلة مخططة.
وقال "هناك خوف بين الناس من أن السيطرة على تلك المناطق قد يتم تسليمها إلى المسلحين الجهاديين السوريين، حيث تمتلك تركيا نقاط سيطرة لحمايتهم، وهو ما يمثل تهديدًا كبيرًا لأمن وسلامة المنطقة بأكملها".

اضافة اعلان

*كاتب يختص بالشأن التركي وشؤون الأكراد