المغتربون الأردنيون: محاور رئيسة لمساندة منظومة الاقتصاد المحلي

مثقال عيسى مقطش

عمان - تناولت وسائل الإعلام خبرا مفاده أن هيئة مرصد الميثاق الاقتصادي الأردني، التابعة لمنتدى تطوير السياسات الاقتصادية، بحثت في اجتماع لها السياسات والتحديات الاقتصادية الوطنية. وتقرر الطلب من الهيئة الإدارية دراسة اقتراح حول كيفية تفعيل دور المغتربين الأردنيين في المنتدى.اضافة اعلان
إن الوقت مناسب جدا لمناقشة هذا الموضوع المهم بفعالية، رغم بحثه على مدار العشرين سنة الماضية لمرات عديدة، فيما بقيت الجهود المبذولة تراوح مكانها. فالظروف الاقتصادية التي يمر بها الأردن تتطلب تعزيز دور الأردنيين المغتربين في إعادة الوضع الاقتصادي إلى محاور اعتيادية لا استثنائية، ما يقودني إلى التركيز على المحاور الاقتصادية والاجتماعية التالية:
أولا: إننا أحوج ما نكون في المرحلة الراهنة إلى تعزيز ثقافة العمل الحر والاستثمار فيه، وتسهيل إجراءاته بأقصى المستطاع، ودعمه بطريقة عملية تسهم بكفاءة وفعالية في الحد من ظاهرتي الفقر والبطالة. وقد حان الوقت أن يقوم كل مواطن بإعادة النظر في مسلكياته الاقتصادية، وأن يقوم القطاع الخاص بدوره المجتمعي، كما أن تقوم الجهات المختصة بتطوير القوانين والتعليمات والأنظمة وآليات التطبيق بما يخدم توجهات وطنية واضحة، قائمة على محاور اقتصادية واجتماعية من ضمنها: الاعتماد على الذات، والاستغلال الأمثل للموارد المتاحة، وثورة بيضاء في مسلكياتنا وثقافتنا ومناهجنا التعليمية، وانقشاع الضبابية عن الإحصاءات المعلنة، والعمل على وضع وتنفيذ برنامج تقشفي لفترة محدودة من خلال عمل جاد ودؤوب يتم من خلاله إقامة مشاريع إنتاجية تتصل بمتطلبات مأكلنا وملبسنا.
وهنا استذكرعبارة من رسائل إخوان الصفا في القرن الثالث الهجري: "قطعة الحديد بدرهم. فإذا صنعتها اسطرلابا صارت بمائة دينار (أي آلاف أضعافها). فهل أدرك التجار والصانعون أيام زمان قيمة العمل الحر والصناعة والتصنيع، فيما نحن ما نزال نراوح مكاننا نبحث عن وظيفة براتب شهري أو يومي؟! وأين الطمأنينة الاقتصادية في مجتمع يتحدث دوما عن معدلات بطالة ولا ينظر إلى معدلات العطالة؟! وأي مجتمع في الدنيا يأمن الفقر والبطالة بدون تنشيط مفهوم القيمة المضافة؟!
تبقى التساؤلات مطروحة طالما هناك تباطؤ في مواجهة الحقائق. ويبقى الفقر قائما طالما أننا نعيش عقدة الوظيفة، وثقافة العيب، والتخبط في التعرف على احتياجاتنا، وبالتالي على قدراتنا وكيفية الاعتماد على ذاتنا.
واقع الحال أننا بلد صغير المساحة قليل الموارد، نبحث فيه عن شعارات رنانة، من قبيل العولمة والاقتصاد الحر والمنافسة المفتوحة. ونتحدث عن فقر مدقع في مجتمع نصفه شباب قادر على الإنتاج، وأكثر من 60 % من أبنائه يحملون شهادة جامعية أو دبلوم كلية مجتمع بالحد الأدنى!
ثانيا: مشكلتنا الرئيسة هي أننا نتحدث عن التعاضد والتكامل بين القطاعين العام والخاص، فيما الواقع المُر هو أن كلا من القطاعين يسير في اتجاه معاكس للآخر! وهذا سر عميق لا يمكن أن نفهمه جيدا إلا إذا طرحنا سؤالا واضحا للمقارنة: ما هي أبرز العناصر التي جعلت من دول فقيرة مثل أيرلندا وسنغافورة، تكثر فيها البطالة، ومشابهة لنا في سماتها الجغرافية ومواردها وتعدادها السكاني، تقفز إلى قائمة الدول المتطورة والمتميزة؟
ثالثا: حاول الأردنيون تطبيق منظومات اقتصادية واجتماعية متعددة، ولكن السؤال: إلى ماذا وصلنا، وماذا حققنا؟ هل استطعنا القفز بالمجتمع إلى وضع اقتصادي خال من بؤر الفقر والجوع؟ هل استطعنا توفير فرص عمل للباحثين عن وظيفة؟ هل استطعنا تشجيع الإبداع وتعزيز ثقافة العمل الحر من خلال تفعيل قناعات الشباب بأهمية القيمة المضافة؟ هل استطعنا أن نربط بين التخصصات العلمية وبين احتياجاتنا الفعلية؟ وفوق كل ذلك؛ هل استطعنا بعد كل هذه التجارب على مدار أكثر من أربعة عقود، تطوير عقلية الطالب الجامعي ومناهج التعليم، بما يوفر لدينا خريجين لديهم الرغبة والقدرة على اختراق السوق من خلال عمل حر ينمو مع مرور الوقت، أم تضاعفت لدينا فقط أرقام وأعداد حملة الشهادات، وهم غير متمتعين بثقافة الاعتماد على الذات والانخراط ضمن محاور العمل الحر؟
رابعا: لا يمكن لأمة أن تواصل مسيرتها وأن تبقى شامخة، إلاّ إذا عاشت الواقعية من خلال الاستغلال الأمثل لمواردها المتاحة. وهذا يعني أن إرادة الشعوب تأتي في المقدمة إذا تعاملت مع واقعها بمصداقية، بعيدا عن الشموخ الاصطناعي القائم على الرفاهية المؤقتة المستندة إلى القروض والمنح الخارجية. وكثير من دول العالم استطاعت الوقوف على أقدامها بقوة بعد أن عاشت تقشفا قاسيا لسنوات، ضمن خطة مدروسة وهادفة.
إننا نشد على أيدي رئيس وأعضاء هيئة مرصد الميثاق الاقتصادي الأردني، واهتمامهم بتفعيل دور المغتربين الأردنيين في مرحلة تصحيح اقتصادي حرجة يمر فيها الوطن. ونأمل أن يأخذ الاقتراح طريقه إلى التنفيذ، طالما اعترفنا أن المؤهلات والقدرات الفكرية والخبرات المتنوعة لدى المجموعات الكبيرة من المغتربين، هي قيمة رئيسة إضافة للأرصدة المالية التي بحوزتهم، وتشكل بمجملها منطلقا قويا نحو الإسهام في إخراج الاقتصاد الأردني من عنق الزجاجة.