المغرب العربي في 2019.. الاضطرابات على الطريق

Untitled-1
Untitled-1

حاييم مالكا* - (مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية) 11/1/2018

ترجمة: علاء الدين أبو زينة

اضافة اعلان

سوف تتصاعد الاضطرابات في جميع أنحاء شمال إفريقيا المغاربي في العام الجديد. وستكون الانتخابات، والاحتجاجات الجماهيرية، والاتجاهات الاقتصادية كلها عوامل توفر الإمكانية لحدوث الأزمات التي سيكون من الصعب حلها. ومن المرجح أن تظل عملية صنع القرار بشأن القضايا الحرجة متوقفة في كل واحد من بلدان المغرب العربي، تاركةً فراغاً منهِكاً في الحكم. وسوف يزيد هذا الفراغ من اتساع الفجوة بين المواطنين والنخب، ويعزز التطرف والهجرة غير النظامية، وهما اتجاهان سيستمران في المنطقة هذا العام. وسوف تستمر ليبيا منقسمة في تقويض الأمن الإقليمي، وستتكثف المنافسة الجيوسياسية في شمال إفريقيا مع سعي الجهات الفاعلة الخارجية إلى التقاط الفرص الاقتصادية والاستراتيجية في المنطقة. ويوضح هذا التعليق الاتجاهات الرئيسية التي يجب مراقبتها في العام 2019، والتي تشير إلى عدم اليقين السائد في المنطقة المغاربية في العام الجديد.
انتخابات الجزائر
من المقرر أن تتجه الجزائر إلى صناديق الاقتراع في نيسان (أبريل). وإذا أجريت الانتخابات كما هو متوقع، فسوف يضمن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة ولاية خامسة. وسوف يعني ذلك أن سماسرة القوة في الجزائر -في المقام الأول رئاسة الجمهورية، ثم الجيش، ونخب الأعمال القوية- قد اشتروا مزيداً من الوقت للتقرير بشأن الشخص التالي الذي سيوظَّف لمواصلة إرث بوتفليقة لاحقاً. أما إذا تم تأجيل الانتخابات، كما تتكهن بعض شخصيات المعارضة، فإن ذلك سيشير إلى أن حقبة بوتفليقة قد انتهت -وإنما من دون أن يتم التوصل إلى توافق في الآراء بشأن خليفته. ولا يدور السؤال الأكبر حول من هو الذي سيحل محل الرئيس في نهاية المطاف، وإنما هو: هل يمكن للمصالح الجزائرية القوية أن تتوحد حول استراتيجية لتوجيه البلاد نحو نظام اقتصاد سوق أكثر تنافسية بينما يتم الاحتفاظ بشبكات الأمان الاجتماعي التي حافظت على الاستقرار في البلد على مدى العقدين الماضيين؟
الاستقطاب السياسي في تونس
سوف يزداد الصراع السياسي والاستقطاب مع استعداد تونس لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية في وقت لاحق من هذا العام (من المقرر عقدها في تشرين الثاني/ نوفمبر). وقد انتهى التوافق بين حركتي نداء تونس والنهضة، الذي كان قد وفر الاستقرار -وإنما لم يعرض أي تقدم يذكر. وفي غضون ذلك، يتكثف الصراع بين رئيس الوزراء يوسف الشاهد والرئيس بيجي قائد السبسي. ويسعى الشاهد إلى تنفيذ إصلاحات اقتصادية، لكن المصالح القوية التي تتطلع إلى الحفاظ على بقايا النظام السلطوي القديم تعارضه. ويخلق تشكيل أحزاب سياسية جديدة مجالاً سياسياً أكثر ازدحاماً وانقساماً في البلد. وفي الوقت نفسه، يتصاعد الغضب الشعبي من الطبقة السياسية بسبب فشل السياسيين في معالجة الأزمة الاقتصادية في البلاد، بما في ذلك التضخم، وانخفاض قيمة الدينار التونسي، والبطالة المقيمة.
دراما الصحراء الغربية
بعد سنوات من التناقض والازدواجية الأميركية في التعامل مع هذا الصراع، وضعت إدارة ترامب نصب عينيها حل النزاع في الصحراء الغربية -أو إذا فشل كل شيء آخر، التوقف عن تمويل عملية الأمم المتحدة لحفظ السلام في الإقليم. وقد أقنعت الإدارة الأميركية أطراف النزاع بالاجتماع في كانون الأول (ديسمبر)، لكن الاجتماع لم يتحقق أي تقدم يُذكر. ومن غير الواضح ما إذا كان لدى البيت الأبيض نتيجة مفضلة لحل النزاع أم أنه يريد ببساطة إنهاء عملية حفظ السلام التي استمرت لأكثر من عقدين هناك. لكن الشيء المؤكد هو أنه من دون استراتيجية واضحة لاستئناف محادثات ذات مصداقية بين الأطراف، فإن من المرجح أن يتصاعد التوتر الدبلوماسي بين المغرب والجزائر، الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى تصرف كلتا الحكومتين بطريقة تقوض مصالحهما الخاصة ومصالح المنطقة كلها معاً.
جمود ليبيا يهدد بالانفجار
سوف تظل ليبيا متورطة في الصراع على الرغم من الجهود التي بذلها مبعوث الأمم المتحدة لبناء حوار وطني. وسيكون من شأن تصعيد المعركة من أجل السيطرة على طرابلس، بالإضافة إلى مرافق إنتاج وتصدير النفط القيِّمة، أن يعمق مشاكل ليبيا العديدة. وطالما ظل الخصوم المسلحون الرئيسيون يسعون إلى إيجاد الحلول على أساس الحصول على كل شيء أو لا شيء، فإن العنف السياسي سيستمر في البلد، كما ستعمق الانقسامات المتأصلة الفراغ السياسي والأمني في البلد. ويصنع الفراغ ثلاثة أشياء: إنه يعمق الأزمة الاقتصادية في ليبيا على الرغم من زيادة عائدات النفط؛ ويزعزع استقرار جيران ليبيا؛ ويوفر ملاذاً آمناً للخلايا الجهادية السلفية لكي تنشط وتعيد بناء نفسها. ومن جهتهم، يظل الفاعلون الخارجيون منقسمين حول ماهيّة الحلول العملية اللازمة لمواجهة تحديات ليبيا.
احتجاج.. ومزيد من الاحتجاج
بدأ العمل المنظم في تونس والمغرب والجزائر منذ بداية العام، واعداً بتنظيم إضرابات للقطاع العام للمطالبة بزيادة الأجور والمزايا. وسوف يخرج المواطنون العاديون إلى الشوارع أيضاً. ويريد المتظاهرون من الحكومات أن تصبح مرئية أكثر وأن تقدم خدمات فعالة، لكنهم في الوقت نفسه ينتقدون تجاوزات الحكومات والأعمال التجارية الكبيرة، والافتقار إلى الشفافية والمساءلة. وقد أصبحت الحكومات في المنطقة عالقة بين المتظاهرين، الذين يشجع نجاحهم على طرح المزيد من المطالب، وبين المقرضين الدوليين الذين يضغطون على الحكومات لخفض الدعم، وتقليص قوائم رواتب موظفي القطاع العام، وتشديد السياسة المالية. ومن المؤكد أن تؤدي تلبية مطالب المقرضين إلى زيادة غضب الجماهير. ويضمن الافتقار إلى إيجاد حلول اقتصادية واضحة أن تتواصل الاحتجاجات المنظمة والهبات العفوية في كل أنحاء المنطقة خلال العام الجديد.
التطرف والإرهاب المتربص
يسلط مقتل اثنين من السياح الاسكندنافيين في المغرب في كانون الأول (ديسمبر) 2018 والهجوم الانتحاري الذي شُن في وسط مدينة تونس في تشرين الأول (أكتوبر) الضوء على التهديد المستمر الذي يشكله الإرهاب في دول المغرب العربي. وكان الهجوم الذي شُن في المغرب هو الأول منذ العام 2011، بينما كان هجوم تونس هو الأول منذ أن قتل مهاجم انتحاري 12 شخصاً في وسط تونس العاصمة في أواخر العام 2015. وقد أحرزت الحكومتان تقدماً في تفكيك الخلايا الإرهابية المحلية. ولكن، في حين تراجعت فرص الانضمام إلى الجماعات الجهادية السلفية في الخارج، فإنه يمكن للأفراد المتطرفين الذين يستلهمون فكر تنظيم القاعدة أو تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، أن يقوموا -من دون سابق إنذار- بارتكاب أعمال عنف عشوائية باسم السلفية الجهادية. وما تزال بعض التمردات محدودة النطاق تنشط على طول الحدود الجزائرية-التونسية، ولو أن أنها تظل مقيّدة وتحت سيطرة قوات الأمن.
وفي ليبيا، بعد عامين من الإطاحة بـ"داعش" من معقله في سرت، تعمل المجموعة على تجديد نفسها في أجزاء أخرى من البلاد وتبقى نشطة. ومع أن الإرهاب ليس هو التهديد الرئيسي في المنطقة، فإن الهجمات العشوائية تصنع خلفية يمكن أن تستغلها الحكومات لتبرير ممارسة قدر أكبر من سلطات إنفاذ القانون. كما يمكن أن يؤدي المزيد من العنف إلى تهديد قطاع السياحة، وخاصة في تونس والمغرب اللتين تعتمدان كثيراً على عائدات السياحة لتغذية الاقتصاد.
الهجرة غير النظامية
سوف تستمر منطقة شمال إفريقيا في أن تكون ممراً للهجرة الأفريقية من جنوب الصحراء الكبرى إلى أوروبا، وهو ما يجهد الموارد المحلية ويهيمن على الأجندات الدبلوماسية لحكومات شمال أفريقيا مع كل من الشركاء الأوروبيين والأفارقة على حد سواء. ومع أن المعابر من ليبيا إلى إيطاليا تقلصت في العام 2018، فإنها ازدادت على الطريق من المغرب إلى إسبانيا. ويستخدم سكان شمال أفريقيا الذين يسعون للوصول إلى أوروبا أيضاً طرائق تزداد بؤساً لمغادرة ديارهم بحثاً عن فرص أفضل. وتقدم هجرة مواطني شمال أفريقيا غير النظامية إلى أوروبا مقياساً للبيئات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في المنطقة. وتشير التدفقات المتزايدة للمهاجرين إلى وجود ظروف سياسية واقتصادية أكثر تحدياً وصعوبة في المنطقة المغاربية.
المنافسة بين القوى العظمى
حددت الصين وروسيا شمال أفريقيا كساحة مهمة لتعزيز مصالحهما التجارية والأمنية. وتلعب روسيا الآن دوراً دبلوماسياً أكثر نشاطاً في ليبيا وتسعى إلى إعادة بناء علاقاتها الاقتصادية والعسكرية مع البلد. ويمكن أن يعطي ذلك روسيا موطئ قدم عسكرياً آخر في منطقة البحر الأبيض المتوسط. وتعمل الصين هناك بطريقة أكثر نشاطاً حتى من روسيا نفسها، وقد حددت مجموعة من الموانئ عبر شمال إفريقيا لتستخدمها كعنصر حاسم في مبادرة الحزام والطريق. وأصبحت الصين مسبقاً الشريك الاقتصادي الأكثر أهمية بالنسبة للجزائر، واستثمرت مليارات الدولارات في مشاريع توسعة الموانئ والبنية التحتية في البلد. كما أشّرت الصين أيضاً على اهتمامها بالاستثمار في ميناء بنزرت التونسي، وهو موقع مهم للكبلات البحرية، وهي تسعى إلى زيادة تواجدها على طول ساحل المغرب المتوسطي. وتحتاج البلدان في المنطقة إلى تحديث اقتصاداتها وتطوير البنية التحتية، حيث تقدم الصين حوافز جذابة للشراكة وجني الفوائد من الفرص القيمة المتاحة هناك.
على الرغم من كل هذه الاتجاهات، حدثت بعض التطورات الإيجابية في المنطقة. أولاً، أصبحت حرية التعبير الآن ممارسة متأصلة في تونس، في واحد من الإنجازات القليلة للثورة. ومع أن تونس لا تشكل حقاً قصة النجاح التي يدعيها الكثيرون، فإن المناقشات السياسية المكثفة التي تدور فيها تشير إلى وجود قدر من التعددية السياسية، وهو إنجاز جدير بالملاحظة. ثانياً، وضع توسيع البنية التحتية في المغرب أساساً للتنمية الاقتصادية في المستقبل. وأصبح مجمع ميناء طنجة المتوسطي مركزاً هاماً للنقل عبر البحر المتوسط في جنوب البحر الأبيض المتوسط ومركزاً إقليمياً مثيراً للإعجاب لصناعة السيارات. ﺛﺎﻟﺜﺎً، يعني وجود اﻟﻤﻨﺎﻗﺸﺎت اﻟﻌﺎﻣﺔ ﺣﻮل اﻟﻔﺴﺎد واﻟﻤﺴﺎءﻟﺔ واﻟﺸﻔﺎﻓﻴﺔ وﻏﻴﺮهﺎ ﻣﻦ أوﺟﻪ اﻟﻘﺼﻮر اﻟﺤﻜﻮﻣﻴﺔ ﻓﻲ ﺟﻤﻴﻊ أﻧﺤﺎء اﻟﻤﻨطقة أن اﻟمواطﻨين ﻳﺤﺎﺳبون المسؤولين ﻋﻠﻰ نحو ﻣﺘزايد على أدائهم. وما يزال التقدم في هذا الاتجاه بطيئاً، لكن النقاش ما يزال حياً أيضاً.
لعل التحدي الماثل في الأمام والذي تواجهه حكومات شمال أفريقيا هو التغلب على الجمود السياسي والتناحر الضيق لمواجهة التحديات الاستراتيجية التي ستحدد وجهات بلدانها لعقود مقبلة. وإذا استطاعت الأنظمة والمسؤولون المنتخبون بدء هذه العملية وإثبات أنهم يستجيبون لاحتياجات مواطنيهم، فإن منطقة شمال أفريقيا ستكون أفضل تجهيزاً للإفلات من الاضطرابات في العام المقبل. أما إذا فشلوا، فسوف تتصاعد الصدامات بين المواطنين والأنظمة، وسيتم الشعور بالتداعيات في أمكنة أبعد كثيراً من حدود المغرب العربي.
كل هذا يهم بالنسبة للولايات المتحدة، لأن تزايد الاضطرابات والديناميكيات المتغيرة في المنطقة المغاربية يؤثران في نطاق واسع من المصالح الأميركية، بما في ذلك جهود مكافحة الإرهاب والطاقة والتجارة العالمية وأمن البحر المتوسط. ومع ذلك، فإن الولايات المتحدة ليست الآن في الموقع المناسب لحماية مصالحها أو الاستفادة من الفرص على حد سواء. وعلى النقيض من ذلك، تدرك الصين وروسيا مقدار الأهمية الجيوستراتيجية للمنطقة وتعمل على التكيف هناك.
لذلك، يستثمر البلدان اليوم في البنية التحتية، والتكنولوجيا، والطاقة، والصناعة التحويلية، وهو ما يضع الأساس لشراكات استراتيجية في المنطقة المغاربية، والتي سيكون من شأنها أن تمنحهما تفوقاً جيوستراتيجياً في المستقبل. ومع أن الحكومات المحلية تريد وجوداً أكثر ظهوراً للولايات المتحدة، فإنها ستبحث حتماً عن بدائل إذا كانت الولايات المتحدة لا تستجيب. ولذلك، ينبغي أن ينظر كل من قطاع الصناعة والحكومة في الولايات المتحدة إلى ما وراء الاضطراب في المنطقة المغاربية ويريان المتاحة فيها. وسوف يجعل الفشل في الانخراط بطريقة أكثر استراتيجية الولايات المتحدة أقل أهمية وصلة في هذه الساحة الجيوسياسية الحساسة التي تتغير باطراد.

*زميل رفيع ونائب مدير برنامج الشرق الأوسط في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن العاصمة.
*نشر هذا الموضوع تحت عنوان: Turbulence Ahead: The North African Maghreb in 2019