المغفور له جلالة الملك الحسين بن طلال والقدس

عبدالله توفيق كنعان *

يستذكر الأردن والأمتان العربية والإسلامية في هذه الأيام الذكرى الـ(85) لميلاد المغفور له الملك الحسين بن طلال، هذه الذكرى العزيزة على قلوبنا جميعاً، نظراً لدور جلالته في مسيرة بناء الأردن والتأسيس لنهضته وتنميته في كافة المجالات، وانطلاقاً من المكانة الدبلوماسية العالمية الرفيعة التي كان يحظى بها جلالته، وتمسكه بموقف سياسي ثابت طوال فترة حكمه تمثل في النضال والدفاع عن قضايا الأمة باخلاص وفي صدارتها القضية الفلسطينية وجوهرها مدينة القدس، مستنداً جلالته في مواقفه على ثوابت ومبادئ ثورة ونهضة جده المغفور له الشريف الحسين بن علي قائد الثورة العربية الكبرى التي نادت بالحرية والاستقلال والعدالة والمساواة وحق الشعوب في تقرير مصيرها واحترام كرامتها الانسانية.
ويعتبر موقف جلالة المغفور له الحسين بن طلال تجاه القضية الفلسطينية والقدس مركزياً بوصفه الدرع الذي حماها طوال عقود من الصراع مع الاحتلال الاسرائيلي، ففي عهده رابط الجيش العربي الأردني في فلسطين والقدس مكافحاً ومقدماً الكثير من الشهداء والجرحى، وقد تمكن الاردن من الحفاظ على الجزء الشرقي من مدينة القدس حتى العام 1967، وخلال الادارة الاردنية للضفة الغربية استمرت الرعاية والوصاية على المقدسات الاسلامية والمسيحية، حيث تمّ انشاء لجنة إعمار المسجد الأقصى وقبة الصخرة المشرفة بموجب قرار قانون رقم (32) لسنة 1954م، وانشاء اللجنة الملكية لشؤون القدس العام 1971، التي أُعيد تشكيلها برئاسة صاحب السمو الملكي الامير الحسن بن طلال العام 1994 ضمن احتفالات المملكة بمناسبة الاسراء والمعراج.
لقد استثنى جلالة الملك الحسين بن طلال المقدسات الاسلامية والمسيحية من قرار فك الارتباط الإداري والقانوني والذي جاء بطلب عربي وفلسطيني بعد مؤتمر الرباط العام 1988، حرصاً من جلالته على ابقاء السيادة على القدس في ايد عربية واستمر في الوصاية والرعاية الهاشمية التاريخية لهذه المقدسات بإعمارها وصيانتها وبتبرع شخصي من جلالته لهذه الغاية، وعلى صعيد النشاط الدبلوماسي ترك جلالته القنوات مفتوحة للحوار حول السلام وفق قرارات الشرعية الدولية ومنها قرار مجلس الأمن 242/1967، وقرار (338/1973)، معتبراً جلالته:
"ان الرمز الحقيقي للسلام هو القدس وعودتها عربية هو المعيار الوحيد لصدق الداعين الى السلام في المنطقة"، وقد صرح رحمه الله برؤيته العادلة للسلام في العديد من المحافل الدولية في هيئة الأمم المتحدة والمنظمات التابعة لها وفي اللقاءات والقمم الدولية والاسلامية والعربية وفي كافة الخطابات والمقابلات الوطنية والعالمية، ومن ذلك رسالته العام 1981 إلى الرئيس الاميركي رونالد ريغان والتي صحح فيها جلالته للرئيس الاميركي معتقداته التوراتية المزيفة التي كان يؤمن بها حول فلسطين والقدس والمسجد الاقصى المبارك نتيجة للدعاية الصهيونية الخطيرة التي تروج في العالم بخاصة الغربي للأفكار المضللة القائمة على تزوير الحقائق وسرقة التاريخ العربي الاصيل، كما تضمنت الرسالة تأكيد الملك الحسين على حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وضرورة عودة اراضيه المحتلة وسيادته عليها، ومما قاله جلالته في هذه الرسالة : "المناطق المحتلّة في الوقت الحاضر تمثّل فراغاً فيما يتّصل بالسيادة، هذا الفراغ الذي لا يمكن أن يملأه إلّا الفلسطينيون أنفسهم على ترابهم المستقل"، وهي المضامين الأساسية التي وافق الاردن بموجبها على المشاركة في المفاوضات وتوفير المظلة التفاوضية للأشقاء الفلسطينين حيث رفضت اسرائيل التفاوض معهم مباشرة، وبموجب هذه الثوابت والمنطلقات الأردنية تمّ موافقة الأردن على إعلان واشنطن وتوقيع معاهدة السلام الاردنية الاسرائيلية بتاريخ 17/10/ 1994، والتي نصت على: "تحترم اسرائيل الدور الحالي الخاص للملكة الأردنية الهاشمية في الأماكن الاسلامية في القدس، وعند انعقاد مفاوضات الوضع النهائي ستولي اسرائيل أولوية كبرى للدور الأردني التاريخي في هذه الأماكن".
لقد بذل المغفور له جلالة الملك الحسين بن طلال جهوداً كبيرة في مسيرة النضال والدفاع عن القضية الفلسطينية وإلى جانبه ولي عهده آنذاك صاحب السمو الملكي الأمير الحسن بن طلال الذي كان وما يزال وسيبقى يعتبر القضية الفلسطينية والقدس قضيتنا الوطنية والعالمية الأولى، التي نضحي من أجلها حتى نيل شعبنا الفلسطيني حقوقه المشروعة، وعلى خطى الراحل الملك الحسين بن طلال رحمه الله ما يزال وسيبقى صاحب الجلالة الملك
عبد الله الثاني بن الحسين يعتبر القضية الفلسطينية والقدس قضيتنا المركزية وأولى اهتماماتنا السياسية، معلناً جلالته في أكثر من مناسبة أن القدس خط أحمر لا يمكن التنازل عنها أو عن حق شعبنا الفلسطيني في إقامة دولته على حدود العام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
إن اللجنة الملكية لشؤون القدس وهي تستذكر وشعبنا الأردني وأمتنا العربية والاسلامية والأحرار في العالم الذكرى الـ(85) لميلاد الملك الحسين بن طلال رحمه الله ملك السلام ورمز الوفاء للقضية الفلسطينية، تؤكد تمسكها بالثوابت التي دافع عنها المغفور له الملك الحسين بن طلال وبنو هاشم وتضحياتهم على مدى التاريخ، وتدعو المنظمات الاقليمية والدولية والقوى العالمية الداعية للسلام إلزام اسرائيل بتنفيذ القرارات الشرعية الدولية الخاصة بفلسطين والقدس، فلن يكون هناك سلام تنعم به الاجيال ما دامت اسرائيل ( السلطة القائمة بالاحتلال) تضرب بعرض الحائط جميع قرارات الشرعية الدولية، مؤكدين وأمتنا العربية والاسلامية أن هذا الاحتلال لا بد له أن يزول ولابد للحق التاريخي الأصيل أن يعود لشعبنا الفلسطيني المرابط والصامد في أرضه، مؤمنين واثقين بحكمة قيادتنا وعزيمة شعبنا، مطمئنين إلى أن الأردن يقيادته الهاشمية صاحبة الوصاية التاريخية على المقدسات الاسلامية والمسيحية سيبقى الداعم والسند لفلسطين والقدس مهما بلغ الثمن وكانت التضحيات.

اضافة اعلان

*أمين عام اللجنة الملكية لشؤون القدس