المقاطعة الشرائية للسلع

من أكثر الأساليب فعالية، وأكثرها حضارية، عندما يقرر جمهور المواطنين مقاطعة سلعة معينة بهدف الاحتجاج والتدخل لتخفيض أسعارها، فهو سلوك يدل على وعي جمعي ونضج ثقافي وحضاري، ويؤشر على فقدان المجتمع الثقة بالإجراءات والمعلومات، ليقرر التدخل مباشرة لإصلاح الخلل، وليرسل رسالة واضحة عن تصميمه على حماية جيبه من تغول التجار والمنتجين او تقاعس الجهات الرسمية وآليات ضبط الاسعار من الانفلات. رأينا في عدة مناسبات مقاطعات ناجحة لسلع انفلتت اسعارها، ونشهد حاليا نموذجا حيا من المقاطعة الناجحة لارتفاع أسعار الألبان الذي ما يزال غير مفهوم او مبرر. لا أحد يعلم حتى الآن على وجه الدقة الجهة التي قصرت او اتخذت قرارا قاد الى رفع الأسعار، أو إن كان ذاك القرار مسببا ومنطقيا أم انه غير ذلك. فوضى معلوماتية ورقمية رافقت ملف تسعير سلعة مهمة على مائدة الأردنيين، أبطالها أربعة اطراف تبادلت الاتهامات والتشكيك بالمعلومات هي: الشركات المنتجة للألبان، أصحاب مدخلات الانتاج الاساسية وهي الحليب، وزارتا الصناعة والتجارة والزراعة، وجمعية حماية المستهلك. وفي ضوء وجود مصالح ربحية للمنتجين، وتراجع الثقة بالكلام الرسمي خاصة بعد تباينه وتناقضه، وجد المواطنون أن رواية جمعية المستهلكين هي الاكثر صدقية لحياديتها ولأنها الجمعية المعنية والموجودة لحماية المستهلك، وهي جهة أهلية وغير ربحية، ولا تعاني من فقدان الثقة بما هو رسمي. وزارة الصناعة والتجارة تمتلك من الادوات القانونية والتسويقية ما يمكنها من التدخل لضبط الامور، وقد فعلت ذلك في أوقات سابقة في مواجهة انفلات الاسعار بعدة سلع. ما نزال بانتظار نتائج تقصيها الامر عبر اللجنة المشكلة، ولكن بكل الاحوال لدى الوزارة المؤسسة الاستهلاكية المدنية، وهناك ايضا المؤسسة الاستهلاكية العسكرية، اللتان شكلتا ادوات في منتهى الاهمية لضبط اسعار السلع وهذا بالتأكيد ليس محصورا في شهر رمضان. صحيح اننا اقتصاد حر مفتوح يخضع لآليات العرض والطلب لتحديد الاسعار، لكن اتفاق الشركات على رفع الاسعار وبنفس القدر نسف آليات السوق، ودخل في دائرة الاحتكار المجرّم قانونيا، والمناقض لقوانين السوق الحر وآليات عمله. لا بد لوزارة الصناعة والتجارة، ووزارة الزراعة ان تشتبكا مع الجهات ذات العلاقة من منتجين وجمعياتهم، وان تكون جمعية حماية المستهلك شريكة بأدق التفاصيل، وان يعهد لها اعلان التفاصيل والتفاهمات التي لا بد من الوصول اليها، فالجمعية تحظى بالمصداقية بهذا الامر ومعنية تماما به. إن كان هناك تغول من التجار او منتجي الالبان او منتجي الحليب يجب ان يوضح ذلك، وان كان هناك قرار رسمي انحاز لجهة منهم، فيجب ان يتم تصحيحه، وأيضا أن يتم شرح اسباب القرار ومسوغات العودة عنه. بإجراءات وتوضيحات مثل هذه، نقول للناس إننا نهتم لشؤونهم، ونرسل للمواطنين رسائل ثقة واطمئنان بأن شؤون حياتهم في أيد امينة وذات مصداقية.اضافة اعلان