المقاطعة حل.. لكن لا تكفي

حسين الرواشدة ‏هل المقاطعة هي الحل لمواجهة ارتفاع الأسعار؟ يبدو السؤال وجيها لثلاثة أسباب، الأول عدم قدرة الحكومة على ضبط إيقاع حركة الأسواق، بما يتناسب مع معادلة التكلفة والأرباح والدخل، سواء للتجار أو المستهلكين. الثاني تصاعد حالة "التنمر" من قبل بعض شركات الإنتاج والتوزيع على المواطنين، ومحاولة فرض واقع أسعار جديدة عليهم. الثالث امتداد موجة الغلاء التي ضربت العالم، إثر الحرب الروسية الأوكرانية، لبلدنا، وما سيترتب عليها من تداعيات وآثار، من المتوقع أن تشمل معظم السلع، وتقلب المعادلات السعرية نحو ارتفاعات غير مسبوقة. الرهان على الحكومة، فقط، للتدخل وكبح جماح الغلاء لا يكفي، فوزارة الصناعة والتجارة يمكن أن تفرض، مؤقتا، حدودا أعلى لأسعار بعض السلع، لكن التجار، غالبا، لا يتقيدون بها، كما أن الارتفاع بكلف الإنتاج، عالميا، مسألة عابرة للحكومات، ما دامت موازناتها لا تسمح بتعويض القطاعات المتضررة، أو دعمها. الرهان على المنتجين والتجار غير مجد، ليس فقط بسبب تراجع منظومة أخلاقيات التجارة، وإنما لتراخي، أو حتى غياب، التشريعات الرقابية المفترض أن تحمي المستهلك، زد على ذلك تحكم طبقة محدودة بالرأسمال الوطني، واحتكارها لبعض القطاعات الحيوية المتعلقة بالغذاء والسلع الضرورية. على من يعول المجتمع إذن؟ الإجابة التي نهرب منها هي الوحيدة الممكنة والصحيحة: "يجب أن يعتمد الأردنيون على أنفسهم"، ليس لمواجهة الغلاء والاحتكار، والقاتل الاقتصادي الذي يتمدد، وليس للدفاع عن عيشهم وحقهم بحياة كريمة، وإنما، أيضا، لممارسة دورهم الحقيقي في بناء دولتهم، وانتزاع حقوقهم، وكبح ظواهر الاحتكار السياسي والاقتصادي وغيرها من المعوقات التي دفعتهم لليأس، والإحساس بالخيبة من أي إصلاح. اجتياز امتحان الاعتماد على الذات بنجاح، بكافة المجالات، لن يتحقق من خلال النخب فقط، أو الشعارات واللطميات، وإنما بالحركة والعمل والإنتاج، والتصميم والإرادة، الفاعلون فيه المزارعون والمعلمون والعمال، وآلاف الذين سجلوا أنفسهم أعضاء في عشرات النقابات المهنية، والأحزاب والجمعيات وغيرها. هؤلاء الذين يشكلون أغلبية المجتمع، وطبقته الوسطى تحديدا، هم المؤهلون لإعادة العافية اليه، بدون ذلك سنظل أسرى لأمنيات تتحول إلى أوهام، ومستهلكين لما يردنا من بضائع، تتحكم بأسعارها طبقة محدودة،لا تقيم أي وزن إلا لمصالحها وأرباحها، سواء أكانت هذه البضائع اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية. المقاطعة يمكن أن تكون حلا مؤقتا، وقد يكون مؤثرا وموجعا، لكنها لا تكفي وحدها، الأردنيون جربوا مقاطعة الانتخابات والأحزاب والمشاركة بالعمل العام، النتيجة كما نراها لم تكن إيجابية تماما. وبالتالي لابد من التفكير بحزمة من المصدات والمؤثرات لتحفيز المجتمع على الحركة والفعل أولا، ثم على تعديل ثقافته وسلوكه ثانيا، ثم الاستثمار بمصادر قوته للوصول إلى الاعتمادية الذاتية، وبمقدار وزن هذه الاعتمادية تكون الاستجابة لها من قبل الحكومة وإدارة الدولة الرسمية، والهوامير في الأسواق. مع ذلك، المقاطعة سواء للدواجن أو المحروقات أو غيرهما، خطوة مطلوبة سيتولد منها، بالضرورة، إرادات أخرى كالترشيد أو البحث عن بدائل للاستهلاك، أو الخروج من حالة الاستسلام للواقع وتبريره، أو الإحساس بالإنجاز. هذه الإرادات وغيرها ضرورية للمجتمع، وللشخصية الأردنية، تحديدا، التي ظلت مرتهنة على مدى السنوات الماضية لمنظومة من القناعات، والأساطير المؤسسة لما نعانيه من بطالة وعطالة، وانعدام للثقة وجنوح للصمت والإحباط، والخوف من المستقبل. المقال السابق للكاتب  للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنااضافة اعلان