"المقطوع".. أكلة شعبية حاضرة في بيوت الجدات بموسم الربيع

Untitled-1
Untitled-1

أحمد الشوابكة

مادبا- مع بدء فصل الربيع، تبدأ كثير من النساء في محافظة مادبا باللجوء للبحث بين الحقول والبيادر والبساتين والبقع الخضراء وأسفل الجدران وسفوح الجبال والوديان والسهول لجمع ولملمة أنواع مختلفة من الأعشاب الطبيعية.اضافة اعلان
ومن بين هذه الأعشاب "الكبسة" التي تستخدمها غالبية المادباويات لإعداد طبق "الكبسة باللبن الرايب" في هذا الفصل من فصول السنة، على حد قول أم عدي الرواحنة، مبينة أن النسوة يقمن في هذه الفترة بالخروج مع أسرهن إلى البراري لقطف الأعشاب المختلفة وجلبها إلى البيوت.
وكلما لاحت الفرصة لأم عدي تغادر منزلها، لتجمع المزيد من الأعشاب الغذائية، وكذلك لتوفير مونة غذائية، طالما انتظروا موعد جمعها، لما تتمتع به من فوائد صحية للجسم؛ إضافة إلى أنها تساعد على فتح الشهية، وطيبة المذاق، وفق ما قالت لـ"الغد".
وعن كيفية إعداد أكلة "الكبسة مع اللبن الرايب" أو ما يسمى "المقطوع"، تؤكد أم عدي أن عملية تحضيرها تبدأ بتنظيف عشبة الكبسة بالماء والملح بالمصفاة، بعد ذلك تقوم بفرم العشبة قطعاً ذات حجم صغير "فرما ناعما"، لتضع عليها مقدارا من اللبن الرايب (لبن الغنم)، ثم تخلطه ببعضه بعضا خلطا جيدا، وتتركه لمدة تزيد على يوم حتى يختلط مع بعضه بعضا، ويأخذ مذاقه الطبيعي، ثم توضع في وعاء مغلق في الثلاجة للحفاظ عليها.
وعلى الرغم من توفر عشبة الكبسة عند الباعة المنتشرين على أرصفة الشوارع الرئيسية في مدينة مادبا، إلا أن أم عدي، تفضل قطفها من الأرض طازجة، ما دام هذا موسمها على اعتبار أن الأعشاب من الطقوس التي اعتادت ممارسة قطفها وجمعها في فصل الربيع، ولكن في حالة نفاد الكميات، بحسب قولها، "نضطر لشراء كميات من عشبة الكبسة من باعة الأعشاب الغذائية".
لكن أم عدي تعيد التأكيد أن جمع الأعشاب الغذائية من الأرض مرتبط بذاكرة عميقة حاضرة في مخيلتها رغم مرور أكثر ثلاثة عقود ونيف، خصوصاً في أيام الصبا عندما كانت ترافق والدتها في فصل الربيع إلى الأراضي التي تكثر فيها الأعشاب الغذائية والطبية، ومنها عشبة "الكبسة" لقطفها من الأرض، ويستمر ذلك ساعات عدة، لحين الاستكفاء من جمع هذه العشبة ذات المذاق الطيب والتي تمد الجسم بالطاقة. بالعادة، يفضل أبوعدي وعائلته وجود طبق الكبسة أو ما يسمى بـ"المقطوع" على المائدة، لأنه يفتح شهية الطعام بعد أن يضاف إليه زيت الزيتون، بحسب وصفه، "في فصل الربيع نهم استعداداً وتأهباً لتنظيم رحلة نحو المناطق الطبيعة التي تنبت على أراضيها الأعشاب الغذائية والطبية، لجمعها، وبخاصة عشبة "الكبسة"".
وفي هذه الأوقات، يكثر بائعو الأعشاب والحشائش على أرصفة الشوارع، ومنها: "الميرمية، الخبيزة، اللفيتة، الكبسة، العكوب، الفطر، الحندقوق، الزعتر، البابونج، الجعدة، الشيح، الكسبرة، القيصوم، والسبانخ"، ويأتي الناس إليهم لابتياع حاجاتهم من هذه الأعشاب وبأسعار مخفضة، حسب أحد البائعين فضل عدم ذكر اسمه، ويقول: "نلملم رزقنا من هذا العمل الشريف أفضل من الجلوس في بيوتنا، فالعمل عبادة".
وتوضح بائعة الأعشاب أم محمد، أن الربيع يعد أفضل موسم عمل بالنسبة لها، حيث تخرج مع أبنائها وبناتها إلى البراري منذ الصباح، وتبقى هناك إلى ما قبل المغرب لجمع الأعشاب، وبخاصة عشبة الكبسة، للعودة بأدراجها نحو بيتها مكملة عملها بفرز الأعشاب قبل عرضها وبيعها للزبائن على شكل حزم.
وأكدت أم محمد، التي تبيع في اليوم الواحد حوالي 40 حزمة، أن الناس يحبون أكل الأعشاب في هذا الوقت من السنة، لأنها مفيدة وطبيعية وخالية من أي مواد صناعية خلافا للكثير من الخضار، مشيرة إلى أن هنالك إقبالا كبيرا على شراء هذه الأعشاب، لأن الكثير من الناس يقومون بتجفيفها أو تجميدها في الثلاجات لفصلي الخريف والشتاء، خاصة الكبسة، قائلة "إن الطلب عليها قوي، ونبيع الكثير منها يوميا".
ووفقاً لدراسات علمية، فإن "عشبة الكبسة لها تأثير قوي كمضادات حيوية لأنواع من البكتيريا والفطريات"، وإن أوراقها تعمل كمضاد للميكروبات بتثبيط نمو أنواع عديدة من البكتيريا والفطريات التي تسبب أمراضاً عند الإنسان كالالتهابات، إضافةً إلى بعض أمراض النبات.
فيما تؤكد اختصاصية التغذية الصحية أركان حسن، أن أكلة الكبسة أو (المقطوع) لها فوائدها الغذائية العالية، حيث تعد غنية بالحديد والفوليك أسيد والألياف الغذائية وفيتامين (سي)، وكذلك المياه، ولذلك ينصح بتناولها لأن قيمتها الغذائية كبيرة، وسعراتها الحرارية أقل، إضافة إلى أنها من الوجبات المهمة للمرأة الحامل والمرضع، وكذلك من يعاني من فقر الدم والأنيميا، وحيث تعمل على الوقاية وتقوية مناعة الجسم بسبب احتوائها على فيتامين A، إضافة إلى مضادات الأكسدة ومحاربتها الخلايا السرطانية في الجسم.