المكاشفة المطلوبة

هناك من يختزل تراجع الدولة اقتصاديا باستشراء الفساد المالي والإداري على مدار سنوات خلت، وهناك من يختزل خروج الدولة من عنق الزجاجة بقانون ضريبة الدخل الذي باتت القدرة على تبريره وتمريره معياراً لنجاح الحكومة الجديدة التي تعهدت بإصلاح منظومة الضرائب.

اضافة اعلان

اللافت أن هناك إصراراً قوياً لدى شرائح واسعة من المجتمع على أن محاربة الفساد واستعادة ما نُهب من أموال سيخرج الأردن من الأزمة الاقتصادية، ويقابل ذلك رأي خجول نوعا ما يقول بأن هناك فرقا كبيرا بين الوجود الحقيقي للفساد والانطباع بوجود فساد. وأصحاب الرأي الثاني يبدون وكأنهم يدافعون عن الفساد مع أن وجهة نظرهم صحيحة وهي لا تنفي وجود الفساد. طبعا، هذا الأمر مرتبط بشكل مباشر بغياب الشفافية وفجوة الثقة الواسعة بين الحكومات والشعب وعدم تطبيق القانون بعدالة على الجميع.

ما من شك أن قانون الضريبة هو ضرورة اقتصادية ووطنية، لكن ليس أي قانون. رئيس الحكومة الأسبق سمير الرفاعي كان قد عبر عن تحفظاته على مسودة قانون الضريبة بخصوص تقسيم القطاعات وإلغاء إعفاءات الصحة والتعليم عن الأردنيين من الطبقة الوسطى ويُحمل حكومة هاني الملقي (وليس حكومة الرزاز) مسؤولية التوصل إلى اتفاقات مع صندوق النقد الدولي أفضت في نهاية الأمر إلى مثل هذا القانون.

من دون الدخول في تفاصيل مسودة القانون الحالي وفيما إذا كان يضمن العدالة، يمكن القول بأن هناك قطاعات واسعة من المجتمع الأردني لا تستحسن أي خطوة حكومية تنال من جيوبهم، وهذا الموقف مفهوم، لكن طالما اصطف المواطن مع حكوماته وقبل بأن يدفع للحفاظ على الاستقرار العام ولتأمين ديمومة الدولة والمجتمع معا. والسؤال لماذا لم يعد المواطن مستعدا لقبول المزيد من الضرائب هو محوري والاجابة عليه باتت معروفة للجميع، فالمواطن لا يشعر بأن الحكومات تكاشفه بحقيقة الأمر وبخاصة وأن الميل للاستدانة – وبالتالي توريط أكبر – ما يزال قائما وربما يشكل السبب الرئيس للعلاقة مع صندوق النقد الدولي. وعليه فإن المواطن بات يتوجس من العلاقة مع الصندوق وما يعنيه ذلك من حيث تراجع مستويات المعيشة للأردنيين.

وحتى التفاؤل الأولي بهذه الحكومة بدأ بالتراجع، ووفقا لاستطلاع الرأي العلمي الذي أجراه مركز نماء لاستطلاعات الرأي فإن نسبة الذين يعتقدون أن حكومة الرزاز ستكون أفضل من حكومة هاني الملقي تراجعت من 81 % عند التشكيل إلى 54 % بعد مرور مائة يوم على تشكيل الحكومة. والمعروف أن حكومة هاني الملقي احتلت المركز الأخير من حيث الشعبية في العقدين الأخيرين.

تضررت حكومة الرزاز منذ البداية بسبب ارتفاع سقف التوقعات وبسبب "أنصارها" من كتاب وسياسيين والذين قدموا الدكتور عمر الرزاز كمن يمتلك وصفة سحرية لحل المشاكل الاقتصادية، ومن أدنى شك هناك فارق كبير بين سقف التوقعات والإنجاز الحقيقي وهذا الفارق بدأ يتحول إلى إحباط عند المواطنين ظهرت نتيجته في الاستطلاع المشار إليه.

هذا يقودنا إلى جوهر المسألة وهي أن هناك ضرورة لمكاشفة الناس بواقع الحال من دون لت وعجن ومن دون تذاكي، فالأردنيون الذين عبروا عن ثقتهم بالدكتور عمر الرزاز كانوا يأملون أن يستغل معرفته بصندوق النقد الدولي وعمله السابق معه ليعيد التفاوض مع الصندوق لكن هذا للأسف لم يحدث بشكل مقنع. فلولا منشور كتبه سمير الرفاعي عن هذا الأمر ربما لما عرف الكثيرون من الأردنيين من هي الحكومات (حكومات الطراونة والنسور والملقي) التي ورطت الأردن بهذا القانون. وعطفا على ما قاله الرفاعي أقول أن المشكلة تكمن في البرنامج العابر للحكومات التي تلتزم به حكومة الرزاز. بكلمة، المكاشفة مطلوبة وتعبد الطريق لاستعادة الحد الأدنى من ثقة المواطن الأردني المؤسسات.