الملك: خوارج العصر يريدون إغلاق أبواب المستقبل أمام المسلمين

الملك يلقي كلمة في مركز الدراسات الإسلامية متعدد التخصصات في العالم المعاصر بجامعة لوفان الكاثولوكية في بلجيكا- (بترا)
الملك يلقي كلمة في مركز الدراسات الإسلامية متعدد التخصصات في العالم المعاصر بجامعة لوفان الكاثولوكية في بلجيكا- (بترا)

لوفان– ألقى جلالة الملك عبدالله الثاني، الأربعاء، في جامعة لوفان الكاثولوكية ببلجيكا، بحضور جلالة الملكة رانيا العبدالله، وجلالتي ملك بلجيكا فيليب، والملكة ماتيلدا، وعدد من الأكاديميين والباحثين المختصين في الشؤون الإسلامية، وطلبة من الجامعة، كلمة أكد فيها أن "التفجيرات المروعة التي وقعت في بروكسل وباريس ]قبل أشهر[ ليست من الإسلام بشيء"، مبينا جلالته أن "مرتكبي هذه الأفعال مجرمون، وليسوا جنودا في نظر الإسلام".

اضافة اعلان

وأوضح جلالته: "قبل أكثر من ألف سنة من اتفاقيات جنيف، كان الجنود المسلمون يُؤمرون بألا يقتلوا طفلا أو امرأة أو طاعنا في السن أو كاهنا، وألا يلحقوا الضرر بكنيسة أو يقطعوا شجرة. أنا جندي وأقول لكم إن هذه المبادئ مازالت راسخة لدينا في زمننا هذا".

وفيما يلي نص كلمة جلالته: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، صاحبا الجلالة، سعادة رئيس الجامعة الكاثوليكية البرفسور بلونديل، سعادة رئيسة جامعة غنت البرفسورة دي باب، أعضاء هيئة التدريس والعاملين والطلبة، الضيوف الكرام، أصدقائي، شكرا لكم جميعا، ويشرفني جدا حضوركما جلالة الملك فيليب وجلالة الملكة ماتيلدا. أدرك مقدار إخلاصكما وتفانيكما في خدمة الشعب البلجيكي. البروفيسور بلونديل والبروفيسورة دي باب، والجميع هنا من علماء متميزين على مستوى العالم، وقادة مبدعين وشباب متفوق – أقول لكم إن تفانيكم في عملكم هو سر قوة بلادكم وقدرتها على تجاوز الأوقات الصعبة، وخلق أمل جديد. إن أصدقاءكم في الأردن سعيدون بأن يكونوا شركاء لكم في هذا الدرب.

أقدر عالياً فرصة زيارة مركز الدراسات الإسلامية متعدد التخصصات في العالم المعاصر في الجامعة الكاثوليكية. فهذا المركز يتمتع بشهرة عالمية لما يقوم به من دراسات عن الإسلام في العالم المعاصر. إن استخدام عبارة "في العالم" في تسمية المركز يوحي بمسألة في غاية الأهمية – وهي حق وواجب المسلمين والمسلمات في ممارسة دور أساسي في بناء مجتمعاتهم والعالم.

واليوم، ونحن نحارب الإرهاب العالمي، أود أن أدق ناقوس الخطر حول مخاطر التوتر بين المسلمين وغير المسلمين. وآمل أن تقبلوا دعوتي لكم لتكونوا شركاء لنا في اتخاذ خطوات فاعلة للدفاع عن مستقبلنا المشترك.

اسمحوا لي أن أبدأ بذكر شيء يعرفه معظمكم، ولكن لا بد أن نشير له بكل وضوح، فالتفجيرات المروعة التي وقعت في بروكسل وباريس ليست من الإسلام بشيء. وفي الواقع، إن مرتكبي هذه الأفعال مجرمون، وليسوا جنودا في نظر الإسلام. فقبل أكثر من ألف سنة من اتفاقيات جنيف، كان الجنود المسلمون يُؤمرون بألا يقتلوا طفلا أو امرأة أو طاعنا في السن أو كاهنا، وألا يلحقوا الضرر بكنيسة أو يقطعوا شجرة. أنا جندي وأقول لكم إن هذه المبادئ مازالت راسخة لدينا في زمننا هذا.

إن التسامح والرحمة وحق الجميع بأن تصان كرامتهم الإنسانية هي القيم التي تعلمتها، وهي التي أعلمها لأبنائي وبناتي، تماما كما يفعل غيرنا من المسلمين في الأردن، وهنا في بلجيكا، وفي كل مكان. ليس بوسعنا السكوت على مسألة كهذه، بل يجب أن نتكلم بصراحة، وفي مختلف ميادين الحياة العامة، وفي العمل والمدرسة، وعبر وسائل الإعلام الاجتماعية وغيرها. وفي هذا الصدد، اسمحوا لي أن أثني على العمل الجاد الذي تقوم به هذه الجامعة في تعزيز مفهوم التعايش.

أصدقائي، دعونا ندرك مواطن الخطر. يريد خوارج هذا العصر أن يغلقوا أبواب المستقبل أمام المسلمين وغير المسلمين على حد سواء. وإن سعيهم للسلطة قد أوقع الضحايا وشرد الملايين من الأبرياء، والغالبية العظمى منهم مسلمون. لقد جعلوا من النساء رقيقا، واستغلوا الأطفال، واضطهدوا الأقليات، وذبحوا الآلاف من السجناء، وقتلوا عشرات الآلاف من الأبرياء، وقد نهب هؤلاء الخوارج الموارد الوطنية، وأغلقوا المدارس ودمروا التراث العالمي.

إن العالم الذي تعمل فيه هذه العصابات لا يمكن أبدا أن يكون آمنا لنا، ولا بد من هزيمتهم.

وهي حرب، في المقام الأول داخل الإسلام، والدول الإسلامية في طليعتها. وخوضها واجب علينا لحماية ديننا وقيمنا ومستقبلنا.

إلا أن الإرهاب يشكل مصدر قلق عالمي، فليس من الصواب القول: إن "هذا الهجوم أو عملية الخطف أو العنف هو مشكلة إفريقيا" أو القول بأن "هذه الأزمة هي قضية خاصة بالشرق الأوسط"، فعصابات داعش والنصرة والقاعدة وبوكو حرام والشباب وغيرها تشكل جزءاً من تهديد واحد. وللتصدي له، فإننا بحاجة إلى تحديد الروابط المعقدة بينها، وبناء رد جماعي منسق لها.

إن التعاون في مجال الأمن وإنفاذ القانون هو أحد مفاتيح الحل، ولكنه لا يوفر الحل كله،إننا بحاجة إلى شراكة اقتصادية عالمية لدعم البلدان التي تتبع سياسات سليمة،ونحن بحاجة إلى جهد دبلوماسي جديد من أجل العدالة العالمية. لقد استغل المتطرفون في جميع أنحاء العالم حرمان الفلسطينيين من إقامة دولتهم، وقد أججت التهديدات التي تتعرض لها المقدسات الإسلامية والمسيحية والهوية العربية التاريخية للمدينة الغضب في العالم أجمع. وعليه، يجب علينا معالجة الصراعات ومواطن الضعف التي يستغلها الخوارج ذريعة في سوريا، وليبيا، والعراق، وإفريقيا، وجنوب شرق آسيا وغيرها. ومن شأن النجاح في هذا المسعى أن يفتح فضاء استراتيجيا أوسع لمواجهة التهديدات في أماكن أخرى.

واليوم أيضا، تؤكد أزمة اللاجئين الكارثية ترابط التحديات التي تواجهنا. لقد واجه الأردن منذ سنوات هذه الأزمة الإنسانية، التي كانت تبعاتها شديدة على شعبنا واقتصادنا. فهناك لاجئ سوري من بين كل خمسة أشخاص يعيشون في الأردن، كما نستضيف أشقاء ليبيين ويمنيين وعراقيين وعربا مسيحيين فروا من اضطهاد داعش وغيرهم الكثير. إن حجم اللاجئين في الأردن يعادل دخول أكثر من مليوني لاجئ إلى بلجيكا في أقل من خمس سنوات.

وكلنا يعرف أن الأزمة الدولية للاجئين قد تتسع إلى أبعد من ذلك إذا عجزت الدول المستضيفة في الإقليم مثل الأردن عن القيام بدورها تجاههم. وعليه، فإن دعم التنمية المستدامة لدينا أمر ضروري. ونحن نعمل بشكل وثيق مع بلجيكا وأوروبا لتلبية هذه الحاجة الملحة.

أصدقائي، لأوروبا دور ريادي وحيوي في مختلف الجهود التي ذكرتها. فبعد قرون من الصراع، شيّد شعبكم مستقبلا جديدا عبر تكريس وإعلاء قيم التعايش والاندماج في منطقتكم. وليس من قبيل الصدفة أن هذه القيم هي المستهدفة من قبل المتطرفين، بغض النظر عن عقائدهم. وعلينا أن نؤكد هنا أن الاحترام والعون المتبادل ضروريان لتعزيز المنعة والأمن الإقليمي.

وتتجلى أهمية ذلك في منطقة البلقان أكثر من غيرها. فهذه المنطقة هي خط المواجهة في أوروبا ضد التطرف وخط دفاعكم الأول. فالقارة بأكملها – ومناطق أبعد منها – ستعاني في حال عدم استقرار هذه المنطقة. وعليه، يجب ألا يسمح لأحد باستغلال الهوية الدينية أو أية هوية أخرى ذريعة للعنف والتطرف. ودول البلقان ذات الأغلبية المسلمة مثل البوسنة والهرسك وألبانيا وكوسوفو تعمل جاهدة لاستباق مثل هذه التهديدات. فهم وجيرانهم بحاجة إلى دعم جميع الأوروبيين. اسمحوا لي أن أقول: اجعلوهم جزءا فاعلا من قارتكم التي تحتضن الجميع، واجعلوا منهم أركانا للتعايش ولقيم الاعتدال الأوروبي.

وكذلك في بقية أوروبا، يبقى الانسجام والتعايش والاندماج قيماً في غاية الأهمية. يجب أن تقاوموا التحديات التي تهدد مُثلكم العليا؛ ولكل مواطن، بغض النظر عن خلفيته، دور يؤديه ضمن هذا الجهد. فالمسلمون وغير المسلمين في أوروبا بحاجة إلى أن يروا بعضهم بعضا على حقيقتهم: جيران، وزملاء عمل، وشركاء في المواطنة، و جزء من قوة أوروبا ومستقبلها.

أصدقائي، غلب الحديث عن أوروبا على خطابي، ولكن ما أقوله ينطبق على العالم بأسره، خصوصا مناطقنا. فما يحدث على جانب من البحر الأبيض المتوسط، يؤثر بعمق على الجانب الآخر. ولأوروبا والشرق الأوسط دور مشترك في بناء المستقبل. وتقع علينا مجتمعين مسؤولية مشتركة في رسم مسار قضايانا على أساس من الاحترام المتبادل.

شكرا لكم.

وفي معرض رد جلالة الملك على عدد من أسئلة الطلبة، والتي تناول أحدها جهود الأردن في الحرب ضد الإرهاب والتطرف، قال جلالته "بدأنا العمل منذ فترة للتعامل مع التحديات التي تواجهنا داخل الإسلام، وقد ذكرت في العديد من المناسبات أننا في الحقيقة نواجه تحدياً داخل الإسلام، بمعنى أنه تحدٍ علينا مواجهته نحن المسلمين بالدرجة الأولى، وقد برز لنا هذا التحدي منذ وقت طويل".

ولفت جلالته إلى أنه، وفي عام 2004، بدأ الأردن ولأول مرة بمواجهة هذا التحدي من خلال إطلاق رسالة عمّان، التي مثلت مسعى لجمع العلماء من سائر العالم الإسلامي، حيث التقى حوالي 200 من العلماء المسلمين الرواد في مجالاتهم من 50 دولة بغرض توحيد صف المسلمين، "وخرجنا بثلاثة دروس أو رسائل رئيسية من هذا اللقاء، أولها تعريف ما يمثله الإسلام وأيضا ما لا يمثله، من خلال الاعتراف بالمدارس الفقهية المختلفة في الإسلام واحترامها، والتي تمثل مدارس فقهية رئيسية في ديننا الحنيف".

وتابع جلالته قائلا "أما الجزئية الثانية، وهي بذات الأهمية، فتتمثل في تحريم التكفير، وهو أمر بارز في ممارسات المتطرفين خوارج العصر، الذين يكفرون غيرهم من باقي المسلمين، عدا عن موقفهم ضد غير المسلمين. ولقد مكنّ هذا الجهد من تقريب المسلمين من بعضهم البعض وهو أمر في غاية الأهمية".

وقال جلالته "أما الأمر الثالث، وهو بذات الأهمية، فيرتبط بوضع أسس لإصدار الفتاوى، ففي كل مدرسة فقهية سواء في الإسلام أو في المسيحية، يتم إصدار الفتاوى، وفقاً لعملية منظمة ومنطقية وقانونية. والمشكلة التي نواجهها مع الإرهابيين اليوم، هو إصدارهم لفتاوى باطلة تبيح عمليات التفجير الانتحارية".

وقال جلالته "أي شخص لديه قيم وأخلاق يعرف بأن رأياً كهذا لا علاقة له بالدين أو الأخلاق، وبالتالي فإن جهودنا تركز على كيفية إرساء المبادئ التي تنظم عملية إصدار الفتاوى، وهذه جهود انطلقت في العام 2004، ومنذ ذلك الحين انطلقت عدة مبادرات، ومنها (كلمة سواء)، وكذلك ملتقيات لبحث التحديات التي تواجه المسيحيين العرب في الشرق الأوسط، وأسبوع الوئام بين الأديان، وهي مبادرات لقيت الدعم من عدة مجتمعات في مختلف دول العالم".

ولفت جلالته إلى أن التغلب على التحدي الذي نواجهه اليوم يتطلب وقتاً، فالبعد العسكري، وهو أمر يهم الحضور معنا اليوم من العسكريين، أمر نواجهه على المدى القريب، أما على المدى المتوسط فسيكون التحدي أمنياً، في حين أن التحدي البعيد المدى سيكون فكرياً نواجهه داخل الإسلام من ناحية، "كما يتطلب التواصل مع إخواننا وأخواتنا من الديانات الأخرى في العالم من الناحية الأخرى أيضاً، لأننا في النهاية نقف في هذه المعركة صفاً واحداً وهي حرب عالمية تتطلب أن يقف أتباع الديانات متوحدين في وجه الخوارج".

وردا على سؤال حول النتائج العملية لرسالة عمان، من حيث نجاحاتها ومحددات هذا النجاح أيضاً، أجاب جلالة الملك "لقد أعلنا في العام 2004 موقفا موحدا يمثل مختلف المدارس الفقهية الإسلامية، وركزنا على ضرورة الاحترام المتبادل بين هذه المدارس، وأهمية المضي إلى الأمام بشكل إيجابي".

وقال جلالته "إذا نظرت إلى التاريخ ستعرف أنه لا يوجد أسوأ من الحروب داخل الدين الواحد، سواء في أوروبا داخل المسيحية، أو داخل الإسلام، أو داخل اليهودية. فهذه الأحداث لا تمثل نقاط مضيئة في تاريخ العالم، وعليه، فإننا إذ ننتقل لمواجهة التحديات الماثلة أمامنا اليوم، فإن آخر ما نود أن نراه، وكما أشرت في سؤالك، هو وجود نزاع بين السنة والشيعة ـ لا قدر الله – فمثل هذا النزاع لن يكون له نهاية".

وأكد جلالته أن "التحدي الذي نواجهه اليوم هو ضد الخوارج، وهو تحد عالمي، وقد يأخذ شكل تحدٍ داخل الإسلام، إلا أننا نعي حقيقته ولا نستطيع خوضه لوحدنا. وأعتقد أن جزءاً من التحدي الذي يواجهنا مع المجتمع الدولي هو فهم الطبيعة الشمولية لهذا التحدي".

وقال جلالة الملك "للصراع في سوريا والعراق انعكاسات مباشرة هنا، وبالتالي، فإن الأمر ليس محصوراً بذلك الجزء من العالم في الشرق الأوسط. وهناك أيضا تحدي حركة "الشباب" الإرهابية في أفريقيا، ومن الضروري كبح تطور أي مشكلة قد تحدث في منطقة البلقان. لكن هناك أيضاً مشاكل في آسيا، فإذا لم ننظر إلى الموضوع بشمولية آخذين بعين الاعتبار أن التحدي عالمي ويجمعنا في مواجهته، فإننا لن نتمكن من التغلب عليه".

ولفت جلالته، في هذا الصدد، إلى أن جزءا من الإحباط هو أن التركيز في العام الماضي انصب على العراق، واليوم على سوريا، فهل نتوجه بالتركيز على ليبيا غداً؟" موضحا جلالته "أنه ليس من الصواب أن نستمر في هذا الأسلوب، ويجب أن ننتهج أسلوبا شمولياً يمكننا من العمل على عدة محاور في ذات الوقت".

وقال جلالته "إنه ولحسن الحظ، وبوجود الحكومة البلجيكية الحالية وغيرها من الحكومات الغربية، تمكنا من عقد اجتماعات في الأردن نقوم من خلالها بالتنسيق مع هذه الحكومات حول كيفية العمل مع جيراننا في شرق أفريقيا للتصدي لتحدي حركة "الشباب"، والتحدي المحتمل في منطقة البلقان، أما تحدي "بوكو حرام" فسيتم تناوله في المستقبل القريب".

وتابع جلالته قائلا "بدأت مختلف الأطراف بتبني النهج الشمولي، فهناك فهم بأننا جميعاً نقف في صف واحد في هذا التحدي وضد عدو واحد، وأن هذا العدو هم الخوارج. أما جزء آخر من المشكلة فيتمثل في كيفية التقريب بين أتباع الديانات المختلفة، ليتبنوا موقفاً موحداً في هذه الحرب، وتوظيف الإعلام ليكون سلاحاً بيدنا في هذه المعركة، بدل أن يكون سلاحاً يستخدم ضدنا".

وفي سؤال تناول مسألة اللجوء السوري لدول المنطقة والعالم، وانعكاساتها الأمنية والإنسانية على المجتمعات المستضيفة؟ وهل بإمكان بلد مثل الأردن تحمل المزيد من اللاجئين، والذين لا يمكنهم القدوم إلى أوروبا، قال جلالته "إننا في الواقع نستضيف 3ر1 مليون لاجئ سوري، أي 20 % من السكان، 10% منهم فقط يعيشون في مخيمات اللجوء، والباقي منتشرون في عدة أماكن في بلدنا، منهم 60 % على أقل تقدير دون سن 17، الأمر الذي يشكل تحديا كبيرا للاقتصاد".

وحول كيفية التعامل مع هذا التحدي أردنيا، قال جلالته "إن المجتمع الدولي قدم دعماً كبيرا، لكن في العام الماضي غطى الدعم الدولي 35% فقط من احتياجات تمويل تبعات اللجوء السوري، وعليه، فإن باقي المبلغ يتم تغطيته من الحكومة الأردنية، وبالتالي، فإن 25% من الموازنة يتم إنفاقها على احتياجات اللاجئين السوريين. وفي كل عام نحتاج إلى اقتراض المزيد، ما يرتب علينا المزيد من الديون، وهو ما يدفعنا إلى التساؤل: إلى أي مدى يستطيع الأردن الاستمرار على هذه الوتيرة؟".

وأضاف جلالته "لطالما تلقينا إشادة على تحمل الأردن للجوء السوري، ولكن عندما بدأ اللاجئون، والذين يشكلون نسبة ضئيلة مما نستضيفه، بالوصول إلى أوروبا برز تفهم أوضح لما نواجهه. لقد وصلنا فعلياً إلى درجة الإشباع. كم من اللاجئين سنستقبل؟ هؤلاء اللاجئون ينتفعون من مدارسنا ومستشفياتنا، لكن الحكومة غير قادرة على تأمين احتياجاتهم، ومستشفياتنا مكتظة، ومدارسنا تعمل بنظام الفترتين".

وأوضح جلالته "لدينا قرابة 400 ألف عامل مصري بشكل غير قانوني، والذين اتخذنا قرارا بعدم إرجاعهم إلى بلدهم حتى لا ينعكس ذلك بشكل سلبي على اقتصادهم. والطريف في الأمر أن العمال المصريين المخالفين يشتكون من منافسة العمالة السورية. لكن في واقع الأمر، فإن من يعاني من عدم توفر فرص العمل هم الأردنيون".

وفي معرض الإجابة، تساءل جلالته إلى أي مدى يتوقع المجتمع الدولي أن يتحمل الأردن، قائلا "الأردنيون محبطون، وإذا كان الناس في أوروبا محبطين، فلينظروا، كما أشرت، إلى الحال في الأردن ولبنان. لقد وصلنا فعلاً إلى حد الإشباع".

وتحدث جلالته عن مؤتمر لندن، "حيث اجتمعت الدول الأوروبية والغربية بهدف مساعدتنا وفق أنموذج مختلف، فبدلاً من تقديم الدعم إلى اللاجئين يتم دعم الأردن لتوفير فرص عمل، بحيث نستطيع التعامل مع التحدي على المدى البعيد، كما أنه أسلوب أقل تكلفة على أوروبا في التصدي لهذا الموضوع".

وتابع جلالته قائلا "دعوني أكون في غاية الوضوح هنا. الأمر يتعلق بتوفير فرص العمل للأردنيين كما للاجئين. إذا قمنا بتوفير فرص العمل للاجئين فقط، دون حل مشكلة البطالة لدى الأردنيين، فيمكنك أن تتخيل انعكاسات ذلك علينا داخلياً. أعتقد أن بلجيكا قد بدأت للتو في التعامل مع تحد مشابه، إلا أن التحدي الذي تشهدونه هو تحد ضئيل بالمقارنة مع حجم التحدي الذي نستمر في مواجهته منذ عدة سنوات".

وفيما يخص البعد الإنساني للمشكلة، قال جلالته "هناك من يقول لي في الأردن: لا يمكننا استيعاب المزيد من اللاجئين، فهناك 3ر1 مليون لاجئ سوري، وحتى أقرب لكم الأمر فهو يوازي استيعاب بلجيكا لـ 2 مليون لاجئ خلال عامين فقط. وسؤالي لكل من يطرح علي هذا السؤال هو: عندما ترى أماً تحمل طفلها وتقترب من الحدود، ماذا يُفترض بنا أن نفعل؟ نطلق النار؟! هل يكون هذا هو الأمر العسكري! لا بالطبع".

وتابع جلالته، في هذا الخصوص، "هؤلاء القادمون إلى أوروبا قد جاءوا هاربين من الاضطهاد. لم يأتوا هنا للترفيه عن أنفسهم، إنهم يهجرون بلداً يعشقونه، ويريدون العودة إليه، لكنهم يريدون حياة أفضل. هذا خيار أجبروا عليه، وجوابي لمن يسألني مثل هذه الأسئلة هو: لقد وصلنا إلى الحد الأقصى في تحمل أعباء اللجوء السوري، لكن كيف يمكنك أن تمنع امرأة تحمل جنيناً وطفلاً من الدخول! الموضوع أخلاقي".

وفي معرض إجابته، طرح جلالته تساؤلا مهما: هل يعبر إرهابيون مع اللاجئين؟ مجيبا "أنني متأكد من عبورهم، وهو أمر علينا معالجته، ونحن نعمل بجد وبالتعاون مع بلدكم حتى نحمي أنفسنا وحتى تحموا أنفسكم أيضاً. وأعود بالإجابة على هذا الموضوع بالإشارة إلى النهج الشمولي الذي أشرت إليه، فتحدي اللجوء مشكلة عالمية علينا مواجهتها".

وتابع جلالته قائلا "عندما نتحدث عن مُثل وفضائل إسلامية ومسيحية، فهذه هي الأخلاقيات التي تحدد كيف نتعامل مع التحدي مستقبلاً، وهذه الأخلاقيات والمواقف هي ما يميزنا عمن ارتكب الجرائم البشعة هنا كما في منطقتنا والعالم، وهي ما يميزنا جميعاً، كل من هو موجود معنا اليوم، عن العدو الذي نواجهه".

وكان رئيس جامعة لوفان، البرفسور فينسينت بلوندل، ألقى كلمة رحب بها باسمه واسم كوادر الجامعة وهيئاتها وطلبتها، بزيارة جلالة الملك عبدالله الثاني، التي ينظر إليها بكل ترحيب وتقدير.

وقال، في كلمته، "نرحب بجلالة الملك وجلالة الملكة اليوم في الجامعة، التي أسست في وسط أوروبا قبل حوالي ستة قرون، واضطلعت برسالة أساسها الانفتاح على العالم بحضاراته المختلفة".

وأكد أن الإسلام يحظى باحترام الجامعة ورسالتها، مشيرا، في هذا الصدد، إلى أن الجامعة تولي اهتماما للدراسات العربية والإسلامية منذ التأسيس.

كما ألقت رئيسة جامعة غنت البلجيكية، البروفسورة دي باب، كلمة أعلنت فيها "عن تخصيص الجامعتين لكرسيين أكاديميين، بهدف إجراء البحوث والدراسات حول الإسلام من النواحي الاجتماعية والسياسية".

وأعربت عن ثقتها بأن هذين الكرسيين سيكون لهما أثر إيجابي في تعزيز الخبرات الأكاديمية حول الإسلام، والمعرفة الأكاديمية، وشرح صورة الإسلام الصحيحة لجمهور أوسع".

وقالت "لقد فهمنا رسالة جلالتكم التي حذرتم دوما فيها من خطر المجموعات الإرهابية، والتي تشكل خطرا ليس فقط على الإسلام، وإنما على العالم أجمع".

وتقع جامعة لوفان الكاثولوكية، التي تعد من أقدم وأعرق الجامعات في أوروبا وعلى مستوى العالم، في إقليم الفلاندرز البلجيكي، وتأسست سنة 1425، لتكون أول جامعة في بلجيكا.

وعلى صعيد منفصل، زار جلالة الملك عبدالله الثاني وجلالة الملك فيليب قاعدة عسكرية جوية في مدينة فلورين البلجيكية، حيث اطلع جلالته على معدات عسكرية حديثة، من ذخائر، ووحدات سيطرة وحماية، وأجهزة محاكاة لطائرة إف 16 المقاتلة. (بترا)