الملك وجائزة تمبلتون

فاز جلالة الملك عبدالله الثاني بجائزة تمبلتون لهذا العام، وسيقام حفل خاص في واشنطن يوم الثلاثاء المقبل لتسليم الملك الجائزة العالمية الرفيعة. تكتسب جائزة تمبلتون أهمية قصوى نظرا لقيمتها المعنوية ونظرا للشخصيات التاريخية التي فازت بها (الأم تيريزا والدالاي لاما وغيرهما) منذ أن انطلقت الجائزة في عام 1972. ووفقا لبيان مؤسسة تمبلتون فإن قرار منح الجائزة للملك عبدالله جاء بسبب محاولاته المتواصلة والممنهجة في نشر مناخ خال من التعصب الديني ما يسمح بالتسامح والتعايش بين الأديان المختلفة.اضافة اعلان
وحتى لا يبدو الأمر وكأنه حفل عادي، هناك حاجة لفهم السياق العام الذي يعطي فوز جلالة الملك بالجائزة الأهمية بالنسبة لنا في المنطقة العربية. ففي الغرب سادت منذ النصف الأول من التسعينيات نظرية صموئيل هنتنغتون المتعلقة بخطوط الصراعات الدولية بعد انتهاء الحرب الباردة، وفي مقال له نشر عام 1993 في مجلة الفورين آفيرز بعنوان "صراع الحضارات" يجادل هنتنغتون بأن الصراعات لن تكون بين دول بقدر ما تكون بين حضارات، وهنا أشار إلى الإسلام بشكل مباشر كأبرز تحد يواجه الغرب المسيحي في عالم ما بعد الحرب الباردة. وطور هنتنغتون نظريته في كتاب نشر عام 1996 حمل نفس العنوان وبين بالتفصيل الخطر المتأتي من الإسلام على الغرب.
رافق نظرية هنتنغتون انتشار ظاهرة الإسلاموفوبيا في الغرب، وهناك العديد من القصص الموثقة التي تبرز معاناة المسلمين في هذه المجتمعات فقط لأنهم مسلمون. بمعنى آخر، هناك سياق غربي تشكل بعد نهاية الحرب الباردة يبرز الإسلام كعدو للغرب. وفي ذلك نظرة استشراقية عمل على تعزيزها كبار المؤرخين أمثال برنارد لويس، وهي نظرة فيها الكثير من الشيطنة بغية تبرير استهداف المسلمين والعرب واحتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية.
يبدو أن الملك عبدالله هو أول من انتبه لهذه الظاهرة وبدأ مبكرا في رسالة عمان وفي مبادرة "كلمة سواء" وكان هدف الملك دوما في الدفاع عن صورة الإسلام وبخاصة بعد أن قام المتطرفون باختطافه وصبغه بصورة دموية لا تتناسب مع قيم الإسلام السمحة. ولهذا السبب يمكن القول أن الملك عبدالله هو أول من قام بالرد العملي على نظرية صدام الحضارات الكارثية والتي تضع المسلمين في مواجهة دائمة وغير ضرورية مع الغرب. وعلى عكس بعض الدول، يتعامل الأردن مع التنظيمات الإسلامية بحنكة، فمن جانب يحارب الأردن التطرف وهو من أطلق لقاءات العقبة التي تهدف الى تشكيل جبهة عالمية للتصدي للإرهاب والتطرف، لكن من جانب آخر يرفض وضع الإسلاميين كلهم  في سلة واحدة، فالملك يرى بالإخوان المسلمين في الأردن على سبيل المثال عنصراً إيجابيا حتى وإن اختلفت التوجهات السياسية، لذلك بقي الفضاء العام في الأردن سلميا.
وعليه فإن القائمين على منح جائزة تمبلتون يرون في الملك الانموذج الأبرز في خلق الانسجام داخل اتباع الدين الواحد وبين الأديان. أردنيا، ينبغي أن تشكل الجائزة الرفيعة فرصة لإعادة التأكيد على مركزية الأردن في دعم الاعتدال والاستقرار في خضم حالة من عدم التيقن في الإقليم. والراهن أن منح الملك هذه الجائزة سيساهم في تسليط الضوء عالميا على ظاهرة التصدي للتطرف والإرهاب وهما آفتان لهما اسبابهما الواضحة، وكان مفيدا لنا في الإقليم ألا يترك الملك مناسبة إلا ويذكر بها أن الخوارج يشكلون تهديدا واضحا على نمط معيشتنا وعلى ثقافتنا الإسلامية السمحة، وعليه فإن مقاربة صدام الحضارات لا تصلح لإيجاد شراكات دولية وارضيات مشتركة للجميع للتأسيس لمناخ دولي خال من التطرف والإرهاب ومليء بقيم التسامح والتعايش.
في الأردن نشعر بالفخر والاعتزاز لهذا التكريم المستحق لجلالة الملك، فهو يضع الأردن وبكل ثقة وهدوء في الجانب الصحيح من التاريخ.