الملك يدفع بدماء جديدة في عروق خريطة الإصلاحات الشاملة

عمان- الغد- حملت الأوراق النقاشية الخمس التي بعث بها جلالة الملك عبدالله الثاني للرأي العام، جملة من عناوين الحوار الوطني، كما تضمنت قراءة متبصرة في المستقبل الذي يريده جلالته للمملكة.اضافة اعلان
والأوراق النقاشية لجلالة الملك، والتي غطت مساحة من الرأي والرأي الآخر خلال عام من تقديمها كوجبة أفكار للقراء، جاءت تحت صفة الـ "نقاشية" حتى "لا يغمز أحد من قناة الاصطفاف معها أو ضدها".
ويذهب متابعون بوصف الأوراق تلك بـ"خارطة طريق" باتجاه محطات الإصلاح والتي إن كانت متعاقبة، فإنها بالضرورة يجب أن تكون "متدرجة".
تلك الصفات لمسيرة الإصلاح الشامل التي يقودها جلالة الملك جنبت البلاد وصفة "الربيع العربي" التي أحدثت تباينات شاسعة في المواقف ووجهات النظر حيال ما شهدته دول عربية تغيرت فيها أنظمة، لكن شهدت تراجعا في مستويات الأمن والحريات والمعيشة، تحت عباءة ما بات يسمى بـ"ثورات الربيع العربي".
فـ"الربيع الأردني" تميز عن سائر "الربيع العربي" بأنه حقق جملة من المنجزات التي كان الوصول إليها يحتاج لروافع شعبية لم تتوفر إلا خلال "الربيع"، وولادة حراك شعبي وشبابي ممتد.
والمحطات الإصلاحية التي مر فيها "الربيع الأردني"، وإن بدأت بالتعديلات الدستورية في العام 2011، والتي أنتجت مؤسسات دستورية جديدة وهي: المحكمة الدستورية والهيئة المستقلة للانتخاب، فإنها لم تنته بعد، بإقرار منظومة تشريعات إصلاحية، جاء بها مجلس نواب جديد انتخب على أساس "كسر حدة نبرة الصوت الواحد" عبر "القائمة الوطنية"، والتي جرت مطلع العام 2013.
من تلك المحطات كذلك، الالتزام الدستوري باستحقاق إجراء الانتخابات في أكثر من 90 بلدية في صيف العام نفسه، والالتحاق بالمواعيد الدستورية لكل استحقاق إصلاحي.
في غضون ذلك، انشغلت السلطات الدستورية خلال عامين بعد إقرار التعديلات الدستورية في العام 2011 بإقرار القوانين المؤقتة كافة، والتي حظر الدستور بعد تعديله التعامل بها إلا من خلال محددات "الطوارئ والحروب والكوارث العامة".
وبالكاد، يرفع مجلس الأمة جلسات دورته الاستثنائية الأخيرة من عمر الدورة العادية المنعقدة التي تنتهي في الثلاثين من الشهر الحالي بإقرار آخر تشريعين لها اتصال بالتعديلات الدستورية، ويجب أن تلتزم بنصوصه، وهما "قانونا استقلال القضاء وقانون الضريبة".
واليوم يجد متابعون أن العلاقة بين السلطات الدستورية أخذت شكلا من المحددات الدقيقة، وينظر كل منها للأخرى على أساس ضبط الأداء دستوريا، بعد تخفيض مستويات التجاذب لصالح الاستمرارية في برنامج الإصلاح الشامل.
وبعد افرازات "الربيع الأردني" وتقديم وجبة إصلاحية متدرجة الخطوات، مرصودة الأهداف، فإن الرسالة الأهم التي بعث بها جلالة الملك بورقته النقاشية الخامسة، كانت ضمانة استمرارية الإصلاحات، أمام كل التحديات الإقليمية من حولنا، الحدودية منها، وما هو أبعد من الحدودية أيضا.
في الذاكرة همْس نخبة سياسية غمزت من قناة الظروف الإقليمية التي عادة ما أثرت على تعطيل برامج الإصلاح الداخلي، لا بل انهم اكدوا في أكثر من صالون "بأن الظروف الإقليمية عادة ما سمحت لليمين المحافظ، بالعودة لواجهة المسؤولية والجلوس على مقاعد طاولة صناعة القرار"، ويتناقلون حديثا هامسا يحمل في طياته تساؤلا حذرا عن أعمار مسؤولي المقاعد الأمامية في المؤسسات الرسمية.
هؤلاء أشاروا في أحاديث متباعدة، عن قدرة الظروف الإقليمية على تعطيل برامج الإصلاح الداخلي، وهو ما تأثر به جلالة الملك عبدالله الثاني منذ فجر تسلمه سلطاته الدستورية العام 1999.
وهم أيضا "رتبوا سنوات التعطل حسب الأحداث التالية": اندلاع الانتفاضة الثانية في الضفة الغربية عام 2000، والحرب على الإرهاب التي بدأت بعد احداث 11 ايلول (سبتمبر) من العام 2001، وصولا الى احتلال بغداد والحرب على العراق في العام 2003، ثم دخولنا عاصفة أزمة الإرهاب وحواضنه، واحتدام المواجهة بعد تفجيرات فنادق عمان التي سقط ضحيتها نحو 62 شهيدا.
على سبيل استمرار الأزمات التي تسببت بتعطيل برامج الإصلاح، فإن "سنوات التجاذب السياسي" بين أقطاب القرار في المرحلة بين 2006 - 2008 كادت أن تأتي بحالة استقطاب سياسي خطرة، ثم تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية، ومن بعدها "سنوات الربيع العجاف" التي مرت على المنطقة منذ العام 2010 إلى وقتنا الراهن، وتداعيات تدهور الأوضاع الأمنية لدول الجوار، وتداعيات كل ذلك على أوضاعنا الأمنية والسياسية والاقتصادية.
ويستطرد هؤلاء أيضا "في قراءة فنجان مستقبل الأزمات التي نعيشها اليوم"، والتي قد تصلنا غدا، وذلك بسبب استمرار عجز مديونيتنا نتيجة استنزاف فاتورة الطاقة المتنامية، واستمرار نزف المديونية العامة على سبيل سد بعض العجز المتحقق، وكل ذلك نواجهه مع استمرار تدفق اللاجئين السوريين نحو الحدود، وضغطهم على الموارد المالية والحيوية، بعد استيطانهم في المخيمات، ونتيجة لغياب آفاق الحل السياسي لأزمة عسكرية دموية في سورية.
يمعن قراءة حظنا في الأزمات، بعد الحديث عن تحالف دولي لمكافحة إرهاب المتطرفين في العراق وسورية، وهي حرب ستشارك فيها جيوش المنطقة، "برغبة في تأمين مجتمعاتها من خطر تمدد الإرهاب"، الذي وجد في دول الانفلات الأمني حواضن عسكرية لها، اعتبرت منطلقا لتصدير الإرهاب صوب أهداف متعددة.
الحرب الجديدة في المنطقة، وهي الحرب على الإرهاب، هكذا يصفها السياسيون، تلك الحرب التشاركية، ستكون عنوانا جديدا للحالة الأمنية في المنطقة العربية، وسننال منها نصيبا في نزف جديد لأموال الموازنة، فالفاتورة الأمنية لها الأولوية اليوم، خصوصا في ظل وجود أطول حدين جغرافيين لنا مع سورية من الشمال والعراق من الشرق.
وأمام تسديد بندقية الإرهاب باتجاهنا، فإن دعم الفاتورة الأمنية أضحى متطلبا شعبيا، ويحتاج الأمر لدعم جهود القوات المسلحة والأجهزة الأمنية بكل الاستعدادات اللازمة. 
وأمام كل تلك التحديات، تقف المملكة في مواجهة استحقاقات الإصلاحات الشاملة، وهو ما يكشف عن خطة جلالة الملك في تلازم مسارات التعامل مع التحديات، وليس فقط تلازم مسارات الإصلاح.
في هذا المقام، لخص وزير الداخلية الأسبق المهندس سمير الحباشنة في مستهل مشاركته في أحد البرامج الحوارية على شاشة التلفزيون الأردني تفسير الورقة النقاشية الخامسة بقوله، "وكأنني أفهم بأن جلالة الملك يريد القول إنه كلما زادت التحديات الإقليمية من حولنا، فإننا نريد تحقيق المزيد من الإصلاحات الشاملة من أجل تحصين جبهتنا الداخلية".