المناخ السياسي في الكويت يصعب مهمة الحكومة في التقشف

الكويت - أظهر الإضراب الذي نظمه عمال النفط في الكويت الشهر الماضي لمدة ثلاثة أيام اعتراضا على خطط حكومية لإصلاح نظام الأجور أن الحكومة تواجه معارضة قوية في لحظة تستعد فيها للدفع بتعديلات مؤلمة ومثيرة للجدل لنظام الرعاية الاجتماعية السخي الذي ينعم به المواطنون منذ عقود.اضافة اعلان
ويقوم عدد من دول الخليج النفطية بتخفيض الدعم عن الوقود والخدمات العامة والمواد الغذائية وكذلك تجميد أو إبطاء نمو مرتبات القطاع العام في محاولة للحد من العجز الكبير في الميزانيات العامة الناتج عن انخفاض أسعار النفط.
واتخذت كل من السعودية والإمارات وقطر والبحرين وسلطنة عمان مثل هذه الخطوات خلال الأشهر الستة الماضية لكن الكويت كانت أبطأ في السير في هذا الاتجاه حيث ناقش البرلمان الأسبوع الماضي وثيقة الإصلاح الاقتصادي التي عرضتها الحكومة.
وفي آذار (مارس) الماضي قال وزير المالية الكويتي أنس الصالح خلال مؤتمر صحفي إن مجلس الوزراء أقر خطة للإصلاح الاقتصادي والمالي تتضمن عزم الحكومة فرض ضرائب بنسبة عشرة بالمائة على أرباح الشركات وإعادة تسعير بعض السلع والخدمات العامة وكذلك إعادة تسعير استغلال أراضي الدولة، لكنه لم يذكر تفاصيل.
ويكمن السبب وراء تأخر الكويت في اتخاذ مثل هذه الخطوات في أن لها تاريخ طويل مع إضرابات العمال بعكس بقية الدول الخليجية الأخرى التي تحظر الاتحادات النقابية أو تسيطر عليها بشكل كبير.
وخلال السنوات القليلة الماضية تسببت إضرابات عمالية في وقف العمل في الخطوط الجوية الكويتية وإدارة الجمارك وإن كان لفترات وجيزة.
وتتميز الكويت بشكل عام بوجود قدر من الحرية النسبية فيها مقارنة بدول الخليج الأخرى حيث يوجد بها برلمان ينتقد أعضاؤه الحكومة بشكل دائم كما ينتقد المواطنون الكويتيون حكومتهم أيضا على مواقع التواصل الاجتماعي.
وفي نهاية 2012 وبداية 2013 شهدت الكويت مظاهرات احتجاجية واسعة على مرسوم بقانون تم من خلاله تعديل النظام الانتخابي في البلاد وهي ظاهرة غير موجودة في دول خليجية أخرى.
ونتيجة لكل هذه العوامل فإن الحكومة الكويتية سوف تواجه أوقاتا صعبة لتطبيق سياساتها التقشفية مقارنة بباقي دول الخليج كما أن المدى الذي يمكن أن تذهب اليه هذه السياسات يبقى غير معروف.
وقال شفيق الغبرا أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت إن إضراب عمال النفط كشف عن المواجهة بين حكومة الرعاية الاجتماعية ومنظمات المجتمع المدنية التي تخشى أن تحل الحكومة مشاكلها الناتجة عن نقص التخطيط على حسابها.
واضاف أن الإضراب أثبت أن الحكومة بحاجة لإجراء حوار موسع مع مؤسسات المجتمع المدني بشأن الإصلاح الاقتصادي وكذلك الاصلاح السياسي.
وكان خليفة حمادة وكيل وزارة المالية قال لصحيفة القبس في نهاية العام الماضي إن "ترشيد" الدعم سوف يوفر للحكومة 2.6 مليار دينار (8.7 مليار دولار) خلال ثلاث سنوات.
ويمكن لهذا الوفر أن يكون أكبر إذا تم إصلاح نظام رواتب الموظفين الحكوميين المتضخم.
وتتوقع الكويت عجزا ماليا قدره 12.2 مليار دينار في ميزانية السنة المالية 2016-2017 التي بدأت في الأول من نيسان( أبريل) بما يوازي 64 بالمائة من إجمالي المصروفات المقدرة.
وقدر نقابيون أعداد المشاركين في إضراب عمال النفط الكويتيين في نيسان (ابريل) الماضي بين 7 و13 ألفا من إجمالي نحو 18 ألف عامل بالقطاع النفطي الحكومي. ولا يسمح للعمال الأجانب بالإضراب.
كان هدف الإضراب الذي نظمه اتحاد عمال البترول وصناعة البتروكيماويات في الكويت هو الضغط على الحكومة من أجل استثناء عمال النفط من مشروع قانون "البديل الاستراتيجي".
وترغب الحكومة في تطبيق هذا القانون على جميع العاملين في الدولة من أجل تحقيق "العدالة" وترشيد الإنفاق بينما ترى فيه النقابات النفطية انتقاصا لحقوق أعضائها المالية ومزاياهم الوظيفية.
وأنهى العمال إضرابهم الذي استمر ثلاثة أيام "إكراما لمقام حضرة صاحب السمو أمير البلاد المفدى" طبقا لما أعلنه سيف القحطاني رئيس اتحاد عمال البترول وصناعة البتروكيماويات في الكويت.
وفي اليوم التالي لإيقاف الاضراب التقى اتحاد عمال البترول والنقابات النفطية رئيس الوزراء الكويتي الشيخ جابر المبارك الصباح الذي أكد أن الحكومة لن تستجيب لأي مطالب "تحت الضغط" وأنه "لا سبيل لفرض الرأي مهما كانت حجته ومبرراته" في إشارة إلى مطالب النقابات لكن المفاوضات ما تزال مستمرة بين الطرفين ما يعني امكانية تقديم تنازلات.
وأدى الإضراب إلى خفض انتاج الكويت من النفط الخام إلى نحو 1.1 مليون برميل يوميا من ثلاثة ملايين يوميا وهو ما أضر بسمعة الكويت كمصدر موثوق به للنفط الخام.
وقال الدكتور فيصل بو صليب أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت لرويترز إن "العمال حققوا هدفا رئيسيا وهو ايصال رسالة بأنهم قادرون على ايصال صوتهم بشكل فاعل."
وقال سيف القحطاني لرويترز إن النقابات النفطية اعترضت على مشروع البديل الاستراتيجي"لأننا نشعر أننا المقصودون (المستهدفون) من هذا المشروع في النهاية.. نحن لا نتحدث عن العمال النفطيين في الوقت الحاضر وانما عن المستقبل أيضا."
وحول موقف النقابات الأخرى من مشروع البديل الاستراتيجي قال القحطاني "البعض منهم تكلم (معترضا) على المشروع.. لكن لا أستطيع أن أتحدث بالنيابة عنهم."
ويقول محللون ونقابيون إنه من غير المحتمل أن تشهد الكويت سلسلة من الاضرابات. وقال مسؤول في الاتحاد العام للعمال بالكويت الذي يمثل 15 نقابة عمالية في القطاعات الحكومية إنه لم يبلغ بأي اضرابات أخرى مخطط لها.
ورغم ذلك فإن الحكومة ربما سوف تتحرك بحذر وبشكل تدريجي من أجل تطبيق الإصلاحات في أعقاب انتهاء إضراب عمال النفط.
ورغم أن أغلب نواب البرلمان الحالي أظهروا تأييدا لخطط الاصلاح الحكومية إلا أن اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية المقررة العام المقبل سيجعل الحكومة غير راغبة في أن تجعل قضية التقشف تجلب لها برلمانا أكثر عدائية.-(رويترز)