المناهج الدراسية وأنماط التعلم (3 - 3)

الدكتور ذوقان عبيدات-(أرشيفية)
الدكتور ذوقان عبيدات-(أرشيفية)

د. ذوقان عبيدات

أوضحت في المقالين السابقين أن انماط المتعلمين تتأثر بالمستويات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، فالطلبة من الطبقات الدنيا يمارسون سلوكاً محافظاً ومحلياً واوليغاركياً يفوق ما يمارسه طلبة من طبقات او فئات اجتماعية أعلى. وكذلك المعلمون يميلون الى السلطة والتسلط بانخفاض مستوياتهم الاجتماعية. اضافة اعلان
وتتأثر انماط الطلبة بثقافة المدرسة وفلسفتها، حيث تفضل المدرسة الليبرالية الطلبة الليبراليين، والمدرسة المحافظة الطلبة المحافظين. وبذلك يتأثر تقويم كل طالب فيما اذا كان نمطه موافقاً لأنماط المعلمين أو المدرسة. وبشكل عام يتفوق الطلبة المحافظون في الحفظ والتذكر. ويتفوق الطلبة التشريعيون والقضائيون في عمليات التحليل والتطبيق، والإبداع، وهذا ما لا يعرفه الطلبة المحافظون او التنفيذيون.
ومقالة اليوم ستتحدث عن انماط اكثر شيوعاً حددها معلمون ذوو خبرة في كتاب "المعلم الاستراتيجي واختيار الاستراتيجية المناسبة لكل درس"، استناداً الى بحوث علمية، قام د.بلال الجيوسي بترجمة هذا الكتاب الى العربية.
(1)
يتحدث الباحثون عن اربعة انماط من الطلبة، يقابلها استراتيجيات خاصة بتعلم كل نمط:
1 -نمط الطالب المتمكن او نمط التمكن، ويناسبه منهج مادة دراسية تقدم له من خلال التلقين، والمحاضرة والتعليم المباشر وأي أداة اخرى تمكنه من الحفظ كالمناقشة والاسئلة والمسابقات.
2 -نمط الفهم والاستيعاب، او نمط الطالب الراغب في الفهم، ويناسبه نهج يركز على المفاهيم والمعاني والمشكلات والمقارنات، يقدم له من خلال التفكير والنقد والبحث والمنطق وكل ما يتحدى الفكر.
3 -نمط الطالب المتخيل والمتأمل، ويناسبه منهج نشاطات ابداعية ومشكلات ومواقف مفتوحة وغير روتينية، منهج يضعه امام بدائل وخيارات. منهج يبتعد عن الحفظ والتلقين.
4 -نمط الطالب التشاركي، ويناسبه منهج يركز على محتوى له صلة بحياة الناس وبيئتهم، يقدم لهم من خلال مجتمعات  التعلم وتبادل المعرفة والمشاركة، منهج يدمجهم في فرق عمل ويبعدهم عن العمل الفردي او المكتبي.
وغني عن القول، إن كل نمط يحتاج الى منهج يناسبه ويحدد:  -كيف ستقدم النهج بما يناسب كل نمط؟  -كيف ستقدم الدروس بما يناسب كل نمط؟  -كيف سيعمل الطلبة ويطبقون ما تعلموه؟  -كيف سنقيم كل طالب؟  -كيف يتأمل المعلمون فيما قدموه؟
وكي لا يكون الحديث نظرياً، فسأحاول تقديم درس يناسب مختلف الأنماط، ويناسب الذكاءات المختلفة.
موضوع الدرس: تربية وطنية، الجهد والجد في العمل. مستوى الدرس: الصف الخامس.
1 -يتحدث المعلم خمس دقائق عن اهمية العمل...الخ.
2 -يكتب المعلم عبارة: من جد وجد على ثماني اوراق منفصلة.
3 -يقسم المعلم الصف الى ثماني فرق وفق انماط الذكاءات الثمانية.
4 -يوزع الأوراق سراً على المجموعات الثماني، ويطلب من كل مجموعة تنفيذ ما جاء في الورقة:
 -المجموعة الأولى: تشرح العبارة في الورقة لغوياً وتقدم امثلة عليها.
 -المجموعة الثانية: تشرح الورقة رقمياً مثل ألّف خمسة اشخاص ثلاث شركات... الخ.
 -المجموعة الثالثة: ترسم لوحة بصرية ملونة تعكس العبارة.
 -المجموعة الرابعة: تمثل حركياً العبارة.
 -المجموعة الخامسة: تخطط لمشروع مشترك.
 -المجموعة السادسة: تؤلف اغنية او تجمع ابياتاً من الشعر وفق العبارة.
 -المجموعة السابعة: يطلب من كل فرد فيها ان يتأمل العبارة ويكتب ما توحي له بها.
 -المجموعة الثامنة: تخطط مشروعاً بيئياً يعكس العبارة.
5 -وبعد عشر دقائق: يطلب المعلم من كل مجموعة ان تقدم عرضاً لأعمالها دون أن تشير الى العبارة: من جد وجد صراحة، ويطلب المعلم من الجميع معرفة الموضوع كتابة الذي تحدثت عنه او أدته كل مجموعة (كل مجموعة دقيقتان).
6 -يطلب المعلم من الطلاب أن يعلنوا موضوعات الدروس الثمانية ليكتشفوا انه نفس الموضوع، تم تقديمه باستراتيجيات متنوعة تناسب مختلف الأنماط.
ويمكن تأدية الدرس السابق وفق انماط التمكن والفهم والمشاركة والتعبير الذاتي او التخيل على النحو الآتي:
نمط التمكن: يحفظون نصوصاً عن الجد في العمل.
 -نمط الفهم: يحللون الفروق بين إنتاج الجادين والكسولين.
 -نمط المشاركة: يعملون معاً في مشروع.
 -نمط التعبير التحليلي الإبداعي: يقدمون أفكاراً جديدة.
(2)
هل يمتلك المعلمون الوقت الكافي؟
ليس من الضروري ان ينفذ المعلم انشطة تناسب كل نمط في كل درس! وليس من الضروري ان يخصصص المنهج انشطة متنوعة في كل درس، ولكن السؤال الأكثر أهمية: هي يمكن ان نستمر في تدريس نمط واحد من المتعلمين ونهمل بقية الانماط؟
إذن المنهج المدرسي يجب أن يخاطب جميع المتعلمين من مختلف الأنماط: فيقدم صوراً، وحركات، وأرقاماً، وتفكيراً، ونشاطات مجموعية، وفردية وثنائية، وتأملية، وايقاعية، وإبداعية، ففي كل وحدة دراسية، يمكن ان تحتوي على اهداف متنوعة وانشطة متنوعة.
أما المعلمون، فليس من الضروري أن يقدموا عدداً كاملاً من الانشطة في كل درس، ويمكنهم ان يختاروا بعض الانشطة لبعض الدروس، وانشطة اخرى لدروس اخرى، وفي الحصيلة فإن تنوع الأنشطة يسهل التعلم ويؤدي الى توفير وقت التعلم.
يصرف المعلمون حالياً عشر دقائق في كل حصة على تحسين ادارة الصف ومعالجة مشكلات سلوكية ناتجة عن سوء التعليم والملل الناتج عن فرض نمط واحد من التدريس، وهذا وقت يمكن توفيره بالكامل اذ قدمنا منهجاً ملائماً واستراتجيات تدريس ملائمة.
فالمشكلة ليست في الوقت، وإنما في قدرة من يعدون المناهج وقدرة من يدربون! المشكلة في رغبة الوزارة في إحداث التغيير، واعتقد أنها متوافرة حالياً.
(3)
عوائق التغيير
ما من شك ان العوائق عديدة، وفي نموذجنا تبدو العوائق الآتية:
1 -قلة المعرفة الفنية لدى بعض اجهزة الوزارة، النقص المعرفي التربوي! قد نمتلك الوعي والإرادة ولكن التربية اخيراً تحتاج الى مختصين.
2 -التردد والخوف، فخلافاً لما ورد في رسالة الملك النقاشية، يبدو أن الحذر والحسابات غير التربوية هي سيدة الموقف، فما زال التردد يمسك القرار التربوي، ولا داعي للقول ان التغيير يتطلب جرأة محسوبة او حتى غير محسوبة اكثر مما يتطلب حكمة ووقاراً وتردداً.
نعم، الارادة موجودة ولكنها لا تكفي.