المنتقمون الإيرانيون في كل مكان

جدعون ليفي -هارتس
لا حاجة إلى إكثار القول في احتمال الفشل، فإذا لم ينجح الهجوم في القضاء على المنشآت الذرية فستتلقى إسرائيل ضربة كضربة يوم الغفران وستتضرر قدرتها على الردع وتظهر بمظهر نمر من ورق، وسيكون الانتقام الإيراني آنذاك أيضا مؤلما بصورة مميزة.اضافة اعلان
لكن تعالوا نأمل أن يسير كل شيء كما يُرام فتقصف الطائرات كل المفاعلات الذرية وتُدمر المنشآت إلى أساسها، آنذاك أيضا يوجد خطر أن يسقط عدد من الطائرات لتصبح عندنا قضية رون أراد الثانية. لكن نجاحا (تاريخيا) لا يُجادَل لأن المقابل عظيم. ونقول بعد أن كبار مؤيدي الهجوم أيضا الذين يزداد عددهم بسرعة مخيفة، يعترفون بأنه لا يوجد أي احتمال لأن تجلس إيران مكتوفة اليدين، فلا يُرد على الهجوم الإسرائيلي بضربة مضادة وحشية. ليس هذا ممكنا. إن رشقات صواريخ من الشرق والشمال وربما من الجنوب أيضا ومنها رشقات على دولة تل ابيب أيضا ستشل إسرائيل. وقد يطول هذا زمنا. وعد وزير الدفاع بـ500 قتيل في أقصى حد وربما قلل وربما لم يُقلل، لكن نشك في أن تكون إسرائيل منيعة ومستعدة لهذا العدد من القتلى في وقت قصير. والدم والثكل والإقتصاد الذي سيقف بمرة واحدة، سيهاجر إسرائيليون ويبتعد سياح ويسود يأس وخوف في المستوى الوطني.
لكن كل هذا غير كاف، فالإيرانيون وهم شعب الذاكرة القوية لن ينسوا ولن يغفروا. سينظرون إلى نجاح إسرائيلي بالطبع باعتباره أكثر خطرا من كل "آيات شيطانية"، فإذا كان سلمان رشدي يحيى خائفا من إيران منذ ثلاثين سنة تقريبا فسيكون رعب الفتوى التي ستصدر على الإسرائيليين أكبر وأطول مدة كثيرا. وستحين آنذاك مرة أخرى نهاية الحديث بالعبرية وراء نقطة الانطلاق في مطار بن غوريون. حذارِ، المنتقمون الإيرانيون في كل مكان.
ستكون إيران إذا قُصفت وهُزمت منتقمة، وسيُقدَّم انتقامها ساخنا وباردا معا. ستكون أولا الصواريخ على إسرائيل ثم تأتي سنين من العمليات في العالم. ونُذكر أن كل هذا سيكون في حال نجاح إسرائيلي يدير الرؤوس. وسيأتي رفع سعر النفط في العالم، وهو أيضا نتيجة مباشرة حتمية للنجاح، إلى البيت الأبيض بواحد من اثنين: رئيس ديمقراطي غاضب أو رئيس جمهوري جاهل ويميني، وكلاهما غير جيد لإسرائيل.
وستغضب أوروبا أيضا، ولا يوجد ما نقوله عن روسيا والصين. ونعود إلى إيران: ستعاود إيران تطوير قدرتها الذرية سريعا وستحتاج لذلك إلى سنتين حتى بحسب رأي أكبر المتحمسين للهجوم. فعلمها لن يُقصف أبدا ودافعها سيزداد قوة ويكون قويا كالموت وأكبر كثيرا من هذا الحالي. وسيتحد الشعب الإيراني أكثر حول قيادته وتزداد كراهية إسرائيل أكثر.
ومع ذلك نكون ربحنا سنتين. وستكونان سنتين صعبتين على إسرائيل، وماذا يكون في نهايتهما؟. أقصف آخر؟. أنجاح آخر؟. سيكون في الأثناء عدد من التسليات الصغيرة: "ستُدمر اشياء كثيرة وسيبكي كثيرون ايضا، لكن الغوغائيين سيصمتون"، كما كتب الشاعر أهارون شبتاي. فقد تناول شبتاي احتمال هزيمة، لكن في حال نجاح حقيقي أيضا يجوز لنا أن نفترض أن بنيامين نتنياهو وايهود باراك لن يبقيا. ورؤساء الحكومة ووزراء الدفاع لا يجتازون على نحو عام ألبتة حالات خسائر جماعية. هذا ما كان في حرب يوم الغفران الفاشلة وفي حرب لبنان الاولى الناجحة ايضا. ولن ينسوا لهذين الاثنين أضرار النجاح وسيضطران إلى النزول عن خشبة المسرح حتى لو كانا منتشيين بالنصر في البداية.
ربما يُكف جماح الصلف الإسرائيلي شيئا ما أيضا، فربما يفهم عدد أكبر من الإسرائيليين الذين تعلموا تجربة حرب 1967 ان النجاح العسكري ايضا قد ينتهي إلى البكاء والندب لأجيال. وربما يفهم عدد أكبر من الإسرائيليين، وقد تعلموا دروس الحروب الاختيارية التي ترمي إلى احراز سيطرة اقليمية، ان الطريق إلى تثبيت مكانة إسرائيل في المنطقة لا تمر عن طريق القصف. "سنصحو ونعود لنصبح بشرا نُمسك بأقلام الرصاص"، كما قال شبتاي في قصيدته، وسيكون لنا آنذاك العزاء الوحيد في النجاح المتوهم الذي قد يلّم بنا قريبا ويكون أخف قليلا من نقيضه الفظيع.