المنحة القطرية لموظفي غزة

تدل التصريحات الصادرة تعقيباً على أنباء تقديم الحكومة القَطرية منحة لتغطية أجور شهر واحد من رواتب الموظفين الذين عينتهم حركة "حماس" في قطاع غزة، أنّ الموضوع يأتي، على الأقل بحسب الفهم الحمساوي، في إطار تعامل مباشر بين حكومة "حماس" وحكومة قطر، رغم أنّه لا يوجد رسمياً الآن حكومة لحركة "حماس"، بل حكومة "توافق وطني". وبقدر ما يمكن أن تشكل هذه المنحة رافعة لتوافق فلسطيني حقيقي، بقدر ما يمكن أن تقود إلى تراجع للخلف.اضافة اعلان
قال رئيس حكومة "حماس" السابق، اسماعيل هنية، في تصريح لتلفزيون قطر: "لا شك أن جموع الموظفين وكل أبناء الشعب الفلسطيني قد تلقوا هذا الخبر بكثير من السرور والسعادة، خاصة أن هؤلاء الموظفين يقومون بأعمالهم منذ سنوات طويلة دون أن تعترف حكومة التوافق الوطني والسلطة الفلسطينية بهم، ويعملون تحت ضغط هذا الواقع، وتحت ضغط الحصار وبلا رواتب إلا بما تجتهد به الدوائر المالية في قطاع غزة".
سيكون خبرا سارا، وإيجابيا، لو وُضعت المنحة في إطار متكامل يهدف إلى حلحلة الوضع السياسي.
في بداية تشكيل حكومة رامي الحمدالله، منتصف العام 2014، أُعلن أنّ الدوحة ستغطي رواتب موظفي غزة (موضوع الخلاف) لعدة أشهر. وكان هناك تنسيق حينها مع هذه الحكومة. لكن يبدو أن عدم التفاهم بين الحكومة و"حماس" حول كيفية إدماج الموظفين في الهيكلية البيروقراطية، عطّل الفكرة. 
وجود من يغطي رواتب أو تكاليف تطبيع الأوضاع، سيكون حافزا للجانبين، في حكومة رام الله وقيادة حركة "حماس" في غزة، لتقديم مرونة سياسية وإدارية في سبيل التوصل لخريطة طريق متكاملة للمصالحة وإنهاء الانقسام.
سوى ذلك يبرز سؤال: كيف يمكن إيصال هذه المنحة إلى قطاع غزة، من دون التنسيق مع الحكومة الشرعية المتوافق عليها؛ وهل ستقبل البنوك بتمريرها، وتحت أي غطاء؟
جاء التبرع القطري استجابة لمناشدات من قيادات في حركة "حماس" في قطاع غزة، من أجل المساعدة في الوضع الاقتصادي الصعب. لكن تجاوز العمل من خلال الحكومة المعنية (إذا حدث)، وعدم تسهيل حركة "حماس" سابقاً دخول وزراء الحكومة من الضفة الغربية إلى غزة، وإعاقة محاولاتهم العمل ميدانياً هناك لتسوية أوضاع الموظفين، تثير علامة استفهام حول جدية قيادة "حماس" في غزة التوصل لاتفاق حقيقي لتحقيق الوحدة، ضمن الشروط التي أدت لتأسيس حكومة رامي الحمدالله. هذا من دون غضّ النظر عن مواقف سلبية للطرف الآخر في ملفات مثل عدم تفعيل الإطار المؤقت لمنظمة التحرير الفلسطينية، وبنود أخرى.
سبق وزار رامي الحمدالله الدوحة سابقاً، وناقش تحديداً حل مشكلات قطاع غزة، وأشاد في بعض المناسبات بالمساعدات القطرية، والخطوط مفتوحة للتنسيق.
في حالة عدم وصول المنحة والرواتب، بسبب العقبات اللوجستية والقانونية التي قد تمنع البنوك من التعاون في إيصال هذه المبالغ، سيسبب هذا خيبة أمل كبيرة بشأن حلحلة الوضع الإنساني، وسيضعف موقف حركة "حماس" ذاتها، ويقلل مصداقيتها أمام أنصارها.
أما وصول المبالغ بطريقة ما، من دون تنسيق مع رام الله، فهو أمر يضر كثيرا بخطط المصالحة، وسيفتح الباب لتكهنات بوجود الكثير من الترتيبات غير المعلنة تحدث بشأن غزة، تتوسط وتتدخل فيها قطر وتركيا وغيرهما.
من المستبعد أن يكون في الأمر محاولة مقصودة لتجاوز حكومة رام الله أو سوى ذلك، ومن المستبعد حدوث شيء من دون تنسيق بين الحكومتين القطرية والفلسطينية.
يمكن أن تصل هذه المساعدات ضمن تنسيق مع حكومة التوافق الوطني وحسب، بل والأهم بعد اجتماعات فلسطينية–فلسطينية، برعاية عربية، ربما قطرية وغير قطرية، تناقش تفاصيل إنهاء ملف الانقسام الإداري، وأبعاده الاجتماعية والسلطوية، بتعهدات عربية وفي مقدمتها القطرية، بتغطية تكاليف أي اتفاقيات يجري التوصل إليها. بل يمكن تشكيل لجان عربية للإشراف على التنفيذ للاتفاقيات.
توقفت فجأة اللقاءات الفلسطينية-الفلسطينية في الدوحة الشهر الماضي، وفشلت محاولات التوصل لاتفاق حينها. يومها، كانت هناك ملفات عديدة سيقت لتبرر الفشل، من ضمنها ملف الموظفين، والبرنامج السياسي، وتفعيل المجلس التشريعي. بينما أعلن قبل أيام استعداد "حماس" دخول الانتخابات البلدية المزمعة، وهذا الدخول للانتخابات يمكن أن يشكل نوعا من تجزئة ملفات المصالحة، فما الذي يمنع أن يكون موضوع الموظفين ملفا منفصلا؟