المنطقة العازلة ليست مصلحة أردنية

لم تطل الموجة الإعلامية، المحلية والإقليمية، التي تحدثت عن نوايا توسعية أردنية باتجاه جنوب سورية وغرب العراق، وعن فرضية الانتقال من الدفاع إلى الردع؛ حتى انحصرت هذه الموجة سريعا في أطروحة المنطقة العازلة في الجنوب السوري. وهي مطلب قديم جديد، هدفه الزج بالأردن في أتون النار السورية التي لم تهدأ منذ نحو أربع سنوات.اضافة اعلان
التسريبات القادمة من الجنوب السوري تتحدث عن اختراقات واسعة حققتها قوات النظام في صد العملية العسكرية التي بدأت منذ عشرة أيام تحت مسمى "عاصفة الجنوب". بل تذهب التقديرات الاستراتيجية إلى أن أحد الأسباب الرئيسة لفشل هذه العملية، امتناع الأردن عن تقديم الدعم عبر الحدود للمعارضة السورية المسلحة، نتيجة الرفض الأردني التقليدي لأي هيمنة للتنظيمات الدينية المتطرفة على الجنوب السوري؛ إلى جانب الإدراك المتنامي في عمان بأن الرهان على بيئة استراتيجية تقاتل فوقها عشرات التنظيمات المتعددة الولاءات والتمويل والعقائد، والمفتقدة لأبسط نظم القيادة والسيطرة، هو رهان خاسر. يتزامن ذلك مع تطورات سياسية من نوع آخر باتت تبرز في التحركات الروسية الجديدة التي تسعى إلى إعادة خلط الأورق مجددا بشأن الأزمة السورية.
في المقابل، جاءت قذائف أو صواريخ الرمثا الأخيرة، وحادثة استشهاد مواطن أردني، مناسبة لإعادة رسم سيناريوهات الدور العسكري مجددا، والإلحاح بالسؤال عن الرد الأردني. صحيح أن حوداث القذائف، سواء الطائشة أو المستهدفة عمداً، سوف تتكرر، وهي مرشحة للتزايد، لكنها الحرب على الحدود؛ فلن تقذف لنا بالورود. وربما صحيح ما يتم الحديث عنه بشأن غرف عمليات لقوى دولية وإقليمية متعددة تدار فوق الأراضي الأردنية، إلا أن المحصلة تبدو في أن الصبر الاستراتيجي الأردني ليس محصورا فقط في ما يحدث على بعد أمتار من الحدود فوق الأراضي السورية المجاورة، بل هو أيضا على السلوك السياسي والاستراتيجي للعديد من القوى الدولية والإقليمية التي طالما تجاهلت المصالح الأردنية، وكثيرا ما كانت تقديراتها السياسية والاستراتيجية ضحلة.
في هذه الأثناء، تعود مجددا النبرة السياسية والإعلامية في الحديث عن منطقة عازلة على الحدود الأردنية-السورية. وهو الخيار المر بالنسبة للأردن، والذي رفضه منذ فترة مبكرة للأزمة السورية. إذ ازدادت أهمية فكرة المنطقة العازلة بالنسبة للأردن قبيل هجوم ما سمي "عاصفة الجنوب"، على خلفية استمرار تدفق التنظيمات المتطرفة نحو الجنوب السوري. وفي كل الأحوال، يبدو هذا الخيار لا يصب بأي شكل في المصالح الأمنية والاستراتيجية الأردنية في هذا الوقت؛ فالفصائل المسلحة التي تبيت متحالفة وتصحو في اليوم التالي متقاتلة، لا يمكن ضبط سلوكها القتالي على الحدود، ولا يمكن للأردن أن يلعب دور الشرطي في الجنوب السوري.
إن الذهاب وراء الرأي القائل بأن الأزمة السورية في طريقها للنهاية، قد لا يكون في محله؛ فما تزال المنطقة حبلى بأحداث ومفاجآت عديدة. وهذا يقود إلى أن استراتيجية الحياد الإيجابي لصالح الشعب السوري، والتي مارسها الأردن منذ العام 2011، ما تزال متماسكة، والجديد هو ترسيخ أولوية صد التنظيمات الدينية المتطرفة ووقفها بأي ثمن.