المنطق وراء تغريدات ترامب العنصرية

تقرير خاص - (الإيكونوميست) 18/7/2019
ترجمة: علاء الدين أبو زينة

أصبح تعصب دونالد ترامب جزءاً راسخاً من الخطاب العام الأميركي، بطريقة يبدو معها أحد النقاشات المحمومة في العام 2016 ساذجاً في أحسن الأحوال. وقد راوح هذا التعصب حدة وهدوءاً في الأشهر التي سبقت الانتخابات السابقة؛ حيث أصدر المرشح الجمهوري آنذاك انتقادات لاذعة ضد قاضٍ مكسيكي-أميركي، ورفض لفترة من الوقت التنصل من تأييد رئيس سابق لعصابة كو كلوكس كلان. والسؤال المهم هو: هل كان السيد ترامب جذاباً بشكل أساسي نتيجة لمخاوف مؤيديه الاقتصادية -على الرغم من شوفينيته الواضحة؟ أم أن طُعم العِرق كان المسألة الرئيسية؟اضافة اعلان
كانت الإجابة حاضرة قبل وقت طويل من إرسال الرئيس تغريدة مهينة بشكل خاص الأسبوع الماضي، حيث دعا أربع نساء لم يتم الكشف عن هويتهن -لكنهن، بالاستدلال، نائبات ديمقراطيات من غير البيض في الكونغرس- إلى "العودة" إلى المكان الذي أتين منه. وكانت واضحة أيضاً حتى قبل أن يرفض ترامب إدانة التفوقيين البيض في حادثة شارلوتسفيل قبل عامين. وهي تتفق مع البيانات التي تم فحصها من حملته الانتخابية في العام 2016، والتحليلات الناتجة المفصلة في الكتب والأوراق. في كل هذا، لم يجد علماء السياسة أي مبرر اقتصادي واضح لانتصار ترامب.
العديد من الولايات؛ مثل جورجيا وميريلاند، كانت قد ابتعدت عن الديمقراطيين في الأوقات الصعبة للعام 2012، ثم انجرفت عائدة إلى دعم مرشح الديمقراطيين في الأوقات الأفضل في العام 2016. ولم يتخذ الملايين من البيض من الطبقة العاملة الذين جندهم السيد ترامب في ولايات حزام الصدأ هذا الموقف بسبب القلق الاقتصادي. لم يكونوا أكثر احتمالاً لمنح أصواتهم له بأكثر مما كان حالهم في العام 2012.
بدلاً من ذلك، لم يوحدهم شيء بقدر ما فعلت الكراهية للتنوع المتزايد في أميركا، والشعور المصاحب بأن البيض أصبحوا يفقدون الأرضية. وتم التعبير عن كلا الأمرين بإعلانات العداء للهجرة والمهاجرين والإنفاق على الرعاية الاجتماعية (التي اعتقد الكثيرون، خطأً، أن المهاجرين يلتهمون أموالها). ولا شك في أن هذه المشاعر تفاقمت بسبب المخاوف الاقتصادية، وكذلك المخاوف الثقافية -والشخصية في بعض الأحيان: الناس يتطورون وأميركا تتغير. وكانت هذه المشاعر حاضرة قبل السيد ترامب. لكنها لم تكن، مع ذلك، عاملاً كبيراً في التأثير على قرار التصويت حتى جعلها ترامب كذلك، من خلال استخراج مواطن التظلم الداخلية لجمهوره، مثلما يجذب المغناطيس شظية معدنية.
في كتابهم "أزمة الهوية"، يصف جون سايدز ومايكل تيسلر ولين فافريك عملية العقلنة التي أجراها أنصار ترامب لقراراتهم الانتخابية بأنها "اقتصادية مصطبغة بالعنصرية". هناك قلة فقط من هؤلاء الناخبين يعتنقون وجهات نظر عنصرية من الطراز القديم حول مسائل مثل الزواج بين السود والبيض، لكن عددا كبيرا جدا منهم يعتقدون بأن "هناك مجموعات غير جديرة تمضي قدماً، بينما (مجموعتي) الخاصة تتخلف". ووجدت دراسة سابقة أجرتها "مجموعة دراسة الناخبين" أن العداء للمهاجرين كان أكبر دافع لناخبي ترامب. ووجدت دراسة أخرى أجراها معهد بحوث الدِّين الشيء نفسه. ولم تكن هناك حجة مضادة قوية. كانت بطاقة العِرق التي لعبها السيد ترامب هي الكاسبة.
من هنا جاء تعليقه التحريضي المشاغب في الأسبوع الماضي. لأنه بينما بدا أن قوة الاقتصاد قد منحته خيارا انتخابيا أفضل، فإن ترامب يبدو عازماً على تكرار الأداء السابق نفسه. وليس هناك أي احتمال لأن يخفف من لهجته والاستمرار في ملء جيوب الغالبية الممتنة من الأميركيين الذين يعتبرون أوضاعهم المالية "جيدة" أو "ممتازة". ويبدو أن وجهة نظره القائلة بأن أميركا هي بلد أبيض يفسده الهاربون من غير البيض، لا تمكن مقاومتها. وفي خضم الغضب المستمر الذي حركته تغريدته العنصرية الأسبوع الماضي، هناك ثلاثة أشياء مهمة يمكن أن تُقال حول هذا الموضوع.
أولاً، سوف تكون حملة السيد ترامب في الانتخابات التالية أكثر إثارة للانقسام العنصري مقارنة بما كانت عليه في العام 2016، عندما فاز بالناخبين البيض بنسبة 20 نقطة مئوية. كان ما يزال يتلمس طريقه في ذلك الوقت، باحثاً عن الثناء من صحيفة نيويورك تايمز وبرنامج "مورننغ جو" في محطة MSNBC. وعندما قام بتكثيف الخطاب العنصري، انتقده القادة الجمهوريون. وحتى في وقت متأخر مثل وقت حادثة شارلوتسفيل، تنصل من لغته التحريضية جمهوريون منتخبون، وأناس من كبار رجال الأعمال وحتى كبار مساعديه، بما في ذلك ابنته إيفانكا وغاري كوهن.
لكنه لم يتلق أي شيء من مثل ذلك الانتقاد في الأسبوع الماضي. وعلاوة على ذلك، فإن تجديفه ضد عضوات الكونغرس الأربعة، أليكساندريا أوكاسيو كورتيز، وإلهان عمر، ورشيدة طليب، وآيانا بريسلي -اللواتي كانت السيدة عمر فقط هي المولودة خارج أميركا من بينهن، في حين أن السيدة بريسلي ليست حتى من المهاجرين الجدد، وإنما من السود فحسب- لم يصدر عن مرشح غريب الأطوار، وإنما عن الرئيس هذه المرة. وإذا كرر السيد ترامب نهجه التقسيمي للعام 2016 في العام المقبل، فإنه يمكن أن تحمل المزيد من الوزن. بل إنه ربما يقول ما هو أسوأ، لأنه يريد الخلاص، لنفسه ولأسلوبه المشين. وفي حالة حدوث أي انتكاسة، فإنه يمكن أن يضاعف الرهان.
وقد ينجح الأمر مرة أخرى أيضاً، وهي النقطة الثانية. فقد أصبحت نسب قبول السيد ترامب منخفضة، لكنها مرنة وتنافسية. ضع جانبا الاقتراع على مستوى الولاية، الذي هو أقل إيجابية بالنسبة له، وسوف تكون مستويات قبوله أقل ببضع نقاط فقط من نسبة 46 % التي فاز بها في العام 2016. وهو لا يحتاج إلى أن يكون محبوبا لتعويض هذا الفارق. إنه يحتاج فقط إلى جعل خصومه مكروهين أكثر، وهي حيلته الأخرى التي استخدمها في حملة العام 2016. وهذا ما يجعل الناخبين الديمقراطيين، الذين يشير دعمهم المبكر لجو بايدن إلى أنهم يطلبون شخصاً معتدلاً أكثر بساطة والذي قد يجد ترامب صعوبة في شيطنته، أكثر عقلانية من نشطاء الحزب اليساريين الذين يرون في ضعفه فرصة لإحداث تحول يساري لا يريده معظم الأميركيين. ولعل إحدى النظريات المعقولة، على الرغم من أنها ربما تكون حاذقة للغاية، عن هجومه على السيدة بريسلي والبقية، وكلهن يساريات، هي أنه أراد تعزيز مكانتهن داخل الحزب. وقد تكون هذه هي النتيجة على أي حال.
ريغان تبنى وجهة نظر مختلفة
يجب على الديمقراطيين مقاومة محاولة السيد ترامب إملاء جدول أعمالهم عليهم بأي شكل من الأشكال. إنهم ليسوا في حاجة إلى محاربين موقرين ضد ترامب. إنهم بحاجة إلى أن يكونوا قادرين على فضح اتجاهاته التقسيمية بذكاء، مع الأخذ في الاعتبار سمعتهم الخاصة باعتبارهم مفرطين في الحماس. وقد اجتاز مشروع القانون الذي قدمته نانسي بيلوسي للتنديد بتغريدة ترامب هذا الاختبار. كما أن اقتباسها عبارة من خطاب رونالد ريغان الرئاسي الأخير، "إذا أغلقنا الباب أمام أميركيين جدد، فإن قيادتنا في العالم سوف تضيع في القريب"، يتحدث أيضاً عن النقطة الثالثة، والتي تعد الأساسية في واقع الأمر: أن رؤية السيد ترامب لأميركا كدولة إقصائية ليست سوى مهزلة.

*نشر هذا المقال تحت عنوان: The 2020 campaign will be more racially divisive than 2016 was