المنظومة الأمنية.. وتغير مرحلة!

أثار تسلم سلامة حماد حقيبة "الداخلية"، خلفا للوزير المستقيل حسين المجالي، موجة تحليلات وتنبؤات عديدة، ومتضاربة أحيانا، حول الأداء المرتقب لوزارة الداخلية والمنظومة الأمنية، في المرحلة المقبلة، خاصة بعد الانتقاد غير المسبوق الذي وجه من أعلى المستويات للمرحلة السابقة، والتي شهدت "تقصيرا وغيابا للتنسيق" بين أطراف المنظومة الأمنية، بحسب ما أعلن صراحة رئيس الوزراء د. عبدالله النسور.اضافة اعلان
التضارب في التوقعات والتحليلات والتكهنات بملامح المرحلة المقبلة، مرده أساسا شخصية الوزير ذاته، وخبرته السابقة بتسلم "الداخلية" منتصف التسعينيات على مدى حكومتين. وأيضا يأتي التضارب من منطلق الاختلاف في قراءة الرسائل التي رافقت استقالة أو إقالة المجالي ومديري "الأمن العام" و"الدرك".
من جهة شخصية الوزير الجديد، هو يصنف ضمن التيار المحافظ سياسيا، وعمل سابقا بمعية رئيسي الوزراء السابقين المرحوم الأمير زيد بن شاكر (حكومته الثانية)، ود. عبدالسلام المجالي. وقد سُجّل في الحكومتين، والثانية أساسا، تشدد أمني، وانتقادات حقوقية، لأداء وزارة الداخلية والمنظومة الأمنية والحكومة بصورة عامة، في غير ملف داخلي، سواء في ملفات الصحافة أو الحياة النيابية والسياسية والحزبية. فيما يسجل مؤيدو الرجل له "حزمه" وسيطرته على مفاصل القرار في المنظومة الأمنية التابعة له، ما يدفع للاعتقاد بأن هذا هو السبب الرئيس لاختياره لتسلم "الداخلية" حاليا، بعد الأزمة الاخيرة.
أما من جهة الاختلاف والتباين في قراءة الرسائل التي رافقت القرارات الأخيرة في المنظومة الأمنية، وعلاقتها بتعيين حماد، فترتبط بتحليلات متباينة، يرى بعضها أن المطلوب في المرحلة المقبلة، تشدد أمني، وحزم بتطبيق القانون، من دون مراعاة، أو على الأقل عدم التوقف طويلا أمام بعض "الآثار الجانبية" لهذا التشدد والحزم، خاصة فيما يتعلق بحقوق الإنسان والحريات المكفولة دستوريا. وهو ما يثير الخشية لدى العديد من الأوساط.
فيما يرى البعض الآخر أن ما شهده ملف هيبة الدولة، والتجرؤ بالاعتداء على القانون في غير منطقة وقضية، كما في قضايا مطلوبي معان والاعتداء على مصادر المياه والكهرباء وأكثر من حرم جامعي، هي أمور تحتاج لمرحلة جديدة، يتم فيها فرض هيبة القانون والنظام العام، وعدم التراخي فيه، وبما يترافق مع حسم أي صراعات بينية أو عدم تنسيق داخل المنظومة الأمنية، الموكل إليها تطبيق القانون.
الراهن أن مرحلة جديدة، بملامح مختلفة، باتت أمرا متوقعا بقوة، وسط هذه التغييرات الرفيعة التي تطال "الداخلية" و"الأمن العام" و"الدرك"، قد يصعب رسم ملامحها بدقة. لكن يمكن التأكيد في هذا السياق، على أن اثنين لا يختلفان على ضرورة سيادة القانون وضمان هيبة الدولة والنظام العام، باعتباره مصلحة عامة، بل وأمرا دستوريا، وحقا مكفولا للمواطن.
كما أن استعادة التنسيق والانسجام بين أطراف المنظومة الأمنية، بعيدا عن المناكفات والخلافات الشخصية التي تنعكس على العمل، أمر مطلوب وملح أيضا، لكن على أن يكون كل ذلك تحت مظلة القانون وأحكام الدستور أيضا، ومع ضمان عدم التغول الأمني تحت أي ظرف. ونؤمن أن تطبيق القانون والحزم به، لا يعني أبدا التغول فيه، أو التغاضي عن انتهاكاته من قبل منفذي القانون، أو إعطاء حصانة لأي مسؤول أو شرطي، بالتجاوز على حقوق الناس، عاديين أو مطلوبين ومتهمين.
لا أحد ينكر أن انتقادات شعبية واسعة وجهت في المرحلة السابقة لتساهل مسؤولين ومؤسسات إنفاذ القانون، أو تهربهم من مسؤولياتهم، بالتصدي لحالات تجاوز على القانون والممتلكات العامة، كما في قضايا المياه والكهرباء وغيرها، لكن ذلك لا يعني بحال القبول بتجاوز القانون بغرض فرضه وفرض هيبة الدولة، أوعدم الاحتكام للمبادئ الدستورية وحقوق الإنسان.