المواجهة الشاملة

المخطط الإرهابي الذي أحبطته دائرة المخابرات العامة وأعلن عنه يوم الاثنين الماضي، دليل آخر جديد على أن هزيمة تنظيم "داعش" الإرهابي في العراق وسورية، هي هزيمة عسكرية، لا تعني انتفاء الحاجة الملحة للمواجهة مع التنظيم أمنياً وفكرياً. اليقظة الأمنية والمعالجة الفكرية المستنيرة والسياسات التنموية الكفؤة هي الوصفة الشاملة في محاربة هذا التنظيم وأشباهه.اضافة اعلان
هناك دور مؤكد للسياسات التنموية الرشيدة والشاملة في صناعة مواطنين متوازنين أسوياء ومتساوين في المواطنة، يأنفون التشدد والعنف، وينبذون ثقافة الكراهية والتمييز، ويجنحون للتسامح والتعايش مع الحياة والناس، بكل تنوعهم واختلاف مشاربهم. مثل هؤلاء المواطنين هم أعداء الفكر المتطرف والإرهابي، ومع هؤلاء المواطنين لا تنطلي فكرة "المظلومية" التي تروّج لها التنظيمات المتطرفة والإرهابية لاقتناص أنصارها ومؤيديها وفرائسها، وأول مداخلها في ذلك "التكريه بالحياة الدنيا، والتعجيل بإنهائها من أجل الآخرة"!!. ومنذ سنوات بعيدة وجدنا شكري مصطفى، زعيم جماعة "المسلمين" الأصولية الإرهابية في مصر، التي عُرفت إعلامياً بجماعة "التكفير والهجرة" يقول: "من كان يظنّ أنّ تكاليف بناء المدنية الحديثة لا تتعارض مع تكاليف العبادة، وأنه كان يمكن لعلماء الغرب وبناة المدن الحديثة أن يكونوا عباداً لله في الوقت نفسه... من كان يظنّ ذلك فليشهد على نفسه بقلة الحياء وصفاقة الوجه، فأولئك هم الذين باعوا آخرتهم بدنياهم..."!!!.
قد تتماهى الأصوليات في بعض الحالات، مع فئات اجتماعية تتعرض للانحسار،‮ ‬وتعاني التهميش، كما تتماهى، في حالات أخرى، كما يقول حازم صاغية، مع جماهير مدينية حديثة التشكل، أو، كما هو في وضع أفغانستان بعد‮ ‬1978،‮ ‬مع جموع ريفية يهددها توسع رقعة السلطة المركزية‮.
علاوة على ما تقدّم ذكره من جوانب مغذية للتطرف والتشدد، فإنّ التدين المعياري وإدانة التدين السائد، قد يمنحان التشدد الأوكسجين والبقاء. والصحيح أن حركة التاريخ، على مرّ الأزمان والأمم والحضارات، شهدت مستويات من التشدد والانغلاق والعنف والعنصرية، تعلو وتهبط وتختلف من مجموعة لأخرى.  لكنّ الأصولية الدينية هي ظاهرة متكررة في تاريخ التدين، في جميع أنساق التدين، خصوصاً الأنساق التوحيدية، أي اليهودية والمسيحية والإسلام، والأصولية، كمصطلح، تعبر عن توجه داخل الديانة يعتقد أن مستوى التدين السائد دون مستوى التدين المعياري، الذي يرجع إلى حقبة التأسيس وفق هذا الفهم، وبذلك تنبع مشكلة الأصولية من نمط التدين التاريخي السائد، وليس من الممارسات المتأخرة التي ينسبها البعض إلى أنظمة حديثة، وفق القاضي المصري عبد الجبار ياسين، الذي ينبّه إلى أنه‬ في مرحلة التدوين، وهي لاحقة لغياب المؤسس، يتم تكوين النموذج المعياري للدين، الذي يظل معياراً للقياس عليه. وتاريخياً يحدث أن يكون هناك التدين الشعبي الاعتيادي، الذي تفصله مسافة بين نمط التدين المعياري، فالتدين الشعبي أقل مستوى بسبب قوانين الاجتماع والغرائز البشرية، وتسعى الأصولية إلى إلغاء هذه المسافة بين التدين الشعبي والمعياري.
إنّ تعزيز الاعتدال السياسي والفكري، وهما من المزايا الأصيلة في الشعب الأردني، أمران أساسيان في مواجهة التطرف والإرهاب، وقد كان لافتاً للنظر، كما أشار الزميل موفق كمال في تقريره الذي نشرته "الغد" الأربعاء، أنه وللمرة الأولى يكون من ضمن مخطط التنظيم الإرهابي، استهداف مؤسسات إعلامية ورجال دين معتدلين، ما يشير إلى أن كلا الهدفين أصبحا يشكلان خطراً على التنظيمات الإرهابية، ربما يوازي خطر المؤسسات الأمنية والعسكرية.