الموازنة بين السعادتين اللحظية والدائمة تحقق الرضا للنفس

عمان- نحن لا نريد مجرد العيش في هذه الحياة، بل نريد أن نزهو ونستمتع بها! علم النفس الإيجابي هو منهج جديد نسبيًا في دراسة الصحة العقلية، ويعرف باسم علم السعادة.
لنسأل أنفسنا، هل تهمنا السعادة حقًا؟ يقول الفيلسوف اليوناني أرسطو "أسمى شيء في الحياة هو تحقيق السعادة". لكن ما هذه السعادة؟
تعد السعادة تجربة شخصية ويصعب فهمها أو قياسها؛ وذلك لأن الأشخاص باختلافاتهم يختبرون السعادة بدرجات مختلفة أثناء القيام بالنشاط ذاته. بالرغم من أن علم النفس الإيجابي قد درس مفهوم السعادة لعقدين، وبالرغم من كونه يعتمد على الأفكار الرئيسية النابعة من الفلاسفة اليونان، إلا أن الطرق المستخدمة في هذا العلم أصبحت الآن تقوم على الأدلة.
يعرف البروفيسور مارتن سيليجمان وميهالي شيكزينتميهاليم، وهما مؤسسا علم النفس الإيجابي، السعادة الحقيقية كمجموع نوعين مختلفين من السعادة وهما السعادة اللحظية والسعادة الدائمة، وهما مفهومان ينبعان من الفلسفة اليونانية. تتعلق السعادة اللحظية بالمتعة الفورية، أما السعادة الدائمة فتتعلق بتحقيق الأهداف طويلة الأمد.
السعادة اللحظية: ترتبط هذه السعادة بشعور باللذة الحسية والراحة والاستمتاع. مناصرو هذا النوع من السعادة يجدون السعادة في الأمور المادية، فيرتادون النوادي ويتناولون الأطعمة الباهظة الثمن. لكن يمكن لأي شخص أن يختبر هذه السعادة عند الاستماع للموسيقا أو الخضوع لجلسة تدليك للجسم. هذا النوع من السعادة يتمثل باختبار أكبر قدر من الاستمتاع وتجنب مشاعر الألم لأكبر قدر ممكن.
في علم النفس هذا يعني: اختبار أكبر قدر من المشاعر الإيجابية مثل الحب والبهجة والروعة والامتنان والأمل والصفاء وإثارة الانتباه والفخر والتسلية.
اختبار أقل قدر من المشاعر السلبية مثل الخوف والضغط والكراهية والحزن والذنب والحرج والاشمئزاز والخزي والازدراء والغضب.
في دراسة في مجلة علم النفس الإيجابي (Journal of Positive Psychology) في العام 2018، تبين أن أعراض الكآبة قد انخفضت عند تلاميذ لمدة ثلاثة أشهر عند قيامهم بنشاطات ممتعة ومكثفة. من الضروري الحذر عند القيام بالنشاطات القائمة على الاستمتاع، فهذه النشاطات يجب القيام بها ضمن المنطق والعقل. فالحياة القائمة على السعادة اللحظية والنشاطات التلذذية الخطرة قد تضر في النهاية بالصحة العقلية والجسدية للأشخاص في حال كانوا يمارسون سلوكيات خطرة أو يتعاطون المخدرات والكحول، أو يمارسون الرياضات الخطرة مثل: القفز بالمظلات دون اتخاذ أي إجراءات احتياطية.
السعادة الدائمة: الوصول للسعادة من هذا النوع يكمن في القيام بأعمال صالحة. بعكس السعادة اللحظية، فالسعادة الدائمة لا تتأثر بالمشاعر اليومية، بل تعتمد على تحقيق الذات من خلال تنمية النفس بأفضل شكل وبالطرق التي تتناسب مع القيم الشخصية ومع طبيعة النفس الحقيقية ومن خلال السعي بجهد لتحقيق هدف سام.
تقول الدكتورة إيلونا بونيول، وهي من الرواد في أوروبا في مجال علم النفس الإيجابي، أنه بالرغم من أن هذا الهدف الكبير قد يستغرقنا العمل عليه ساعات طويلة ويمنعنا من رؤية أصدقائنا وأسرتنا لفترة مؤقتة، إلا أننا سنستمد شعور السعادة من العمل على هذا المشروع.
يضحي الأهل من أجل أطفالهم، ما قد يعرضهم للضغط النفسي الذي يقلل من سعادتهم لفترة مؤقتة. لكن هذه التضحية تعطيهم معنى وهدفا ساميا لحياتهم، وفي العادة يرونها كتجربة تستحق العناء، ما ينمي شعورهم بالسعادة الدائمة. في النهاية، يعود ذلك بالفائدة على صحتهم.
ما نوع السعادة الأهم؟
أشارت دراسات عديدة حول السعادة اللحظية والسعادة الدائمة إلى أن للسعادة الدائمة أثرا أفضل على الصحة. على سبيل المثال، في دراسة نشرت في صحيفة "Archives of General Psychiatry"، وجد الباحثون في مركز الزهايمر التابع لجامعة رش في شيكاغو أن الأشخاص الذين لديهم معنى وهدف أكبر لحياتهم (أي سعادة دائمة) يكونون أقل عرضة بمقدار النصف للإصابة بمرض الزهايمر.
بشكل عام، يقترح علم النفس الإيجابي أنه من المفيد أكثر النظر للسعادة ببعدين (وهي التي عرفها رواد علم النفس الإيجابي بالسعادة الحقيقية). تختتم فيرونيكا هات من جامعة أوتاوا أن السعادة الكلية تتحقق من خلال السعي والموزانة في تحقيق كلا النوعين من السعادة وهما السعادة اللحظية والسعادة الدائمة.

اضافة اعلان

إبراهيم منكو
مدرب مهارات حياتية واختصاصي علم النفس الإيجابي
مجلة "نكهات عائلية"