الموازنة عدت.. والعبرة في التنفيذ

سلامة الدرعاوي إقرار النواب لمشروع قانون الموازنة العامة لسنة 2023 بعد موسم “للصراخ والشتائم” بامتياز موجه للحكومة، يتطلب من الحكومة الانتباه لحالة الاحتقان الشديد في نفوس أعضاء مجلس النواب الذين اتبعوها بكافة أشكال النقد اللاذع حتى ممن يحسبون نظرياً على صف الداعمين والمؤيدين لها. الأصل ألا تنتهي عملية الرقابة على مشروع خطة الدولة المالية بإقرار قانونها، فالأصل أن تتواصل العملية في الرقابة على التنفيذ الذي عادة ما يصطدم بعراقيل وعقبات تحول دون تنفيذها وفق الشكل الذي أقرت به، بعض تلك العقبات طارئة، والبعض الآخر هو نتيجة مباشرة لعدم الالتزام الحكومي بتنفيذ قانون الدولة المالي بالشكل الصحيح. التحدي الأكبر أمام الحكومة هو ليس إقرار قانون الموازنة العامة، فلم يسبق أن رفضت، وإن حدث ذلك، فهي تعد بمثابة سحب الثقة بالحكومة التي عليها حينها الرحيل وتقديم استقالتها فوراً، لكن ذلك لم يحدث أبداً في تاريخ الحكومات ومجالس النواب الأردنية. التحدي الأهم هو في كيفية تنفيذها وفق ما أقرت به من قبل مجلس النواب، ورغم كل السلبيات ومظاهر الضعف التي قد تحتويها الموازنة إلا أن تنفيذها هو التحدي الصارخ أمام الحكومات التي عادة ما تتنصل من التزاماتها بهذا القانون، وتخالف الإنفاق بعجز متزايد وبالتالي دين جديد غير الذي كانت الموازنة قد قدرته في مؤشراتها الافتراضية. مسؤولية تنفيذ الموازنة ليست محصورة بوزارة المالية فقط، وإنما هي مسؤولية كافة الوزارات، التي كانت جميعها بلا استثناء أعدت خططها المالية للسنة الجديدة وتفاوضت عليها مع طاقم المالية العامة من خلال بلاغ الموازنة العامة الذي يحدد آليات وشكل موازنة كل وزارة على حدة قبل اعتمادها رسمياً من قبل مجلس الوزراء. جرت العادة أنه وبعد شهور قليلة من إقرار الموازنة العامة تظهر سلوكيات انفاقية خارج القانون المالي للدولة، وتبدأ من هنا مسلسل التجاوز الرسمي في الإنفاق بمرأى ومسمع من السادة النواب الذين يفترض بهم رقابة الحكومة ومحاسبتها على أي مخالفة مالية تحدثها الحكومة خلال تنفيذها لقانون الموازنة. التهاون النيابي في التقييم والمساءلة المالية تجاه قانون الموازنة والذي ينتهي مع كل أسف بانتهاء مناقشات خطاب الموازنة، أمر محبط تجاه المؤسسة التشريعية الدستورية التي منحها الدستور أصول الرقابة المالية على كل بنود الموازنة وسلوكيات الدولة المالية، فالأمر ليس مقتصراً على خطب رنانة هدفها الرئيسي هو شعبويات إعلامية لا أكثر أمام الناخبين. الأساس أن يطور مجلس النواب آلياته الرقابية ويفعلها بالشكل المطلوب الذي يجعل النائب ومن خلال لجانه – تحديداً المالية- من التدقيق الدوري شبه اليومي على سير تنفيذ قانون الموازنة ومدى التزام الوزارات ببنود الإنفاق المرصودة لها، والرقابة ليست شمولية أو تتبعاً رقمياً، بل الأمر يتجاوز ذلك لمعرفة وتدقيق كفاءة الإنفاق الرسمي وكيفية الوصول للإيرادات المستهدفة، خاصة وأن هناك من الناحية النظرية التزاما رسميا بتنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي وتطوير القطاع العام، وهذا كله يتطلب يقظة نيابية لمتابعة آليات التنفيذ، والخروج من حالة “الغيبوبة” في الرقابة المالية بعد انتهاء موسم الموازنة كما هو معتاد. المقال السابق للكاتب ضربة اقتصادية موجعةاضافة اعلان