المواقف المتناقضة

ليس هذا الزمان كغيره. سابقا كان ناشطون في العمل السياسي والنقابي والنيابي يستطيعون تغطية مواقفهم المتناقضة، أو إنكارها، أو تبريرها، لأنهم يعلمون أن المواطنين أو الفئات المستهدفة ليست على اطلاع مباشر على الأحداث، وليس هناك من يرصد مواقفهم أولا بأول، ويكشفها بسرعة تامة وفي الوقت المناسب. كانوا يجدون أعذارا لتناقض مواقفهم، حيث يوفر لهم الوقت ذلك، ويمنحهم الفرصة والإمكانية لخداع الناس، والتغطية على ما ارتكبوه من مواقف متناقضة. أما اليوم، فالأمور مختلفة جدا، فقد أتاحت الثورة التكنولوجية، وخصوصا المتعلقة بمواقع التواصل الاجتماعي، أن ترصد أولا بأول مواقف الناشطين، وتوثيقها، وفي الكثير من الأحيان يتم توثيقها بالصوت والصورة والكلمة. ولذلك، فإن تبرير التناقض هذه الأيام ليس عملا سهلا، أو بسيطا، ويحتاج إلى جهد كبير، وفي النهاية، وعلى الأغلب لا ينجح بإقناع الجهة المستهدفة. اضافة اعلان
ومع ذلك، فإن هذا الأمر، لا يثني ناشطين عن ممارسة التناقض بالمواقف، حتى ولو كان أمرهم مكشوفا. أعتقد أنهم بهذه الحالة يراهنون أيضا على الوقت والزمن، ويتوقعون، أن ينسى المتلقي مواقفهم المتناقضة حينما يحين الاستحقاق السياسي أو النيابي أو النقابي أو غيره من الأنشطة العامة.
مناسبة هذا الحديث ما وقع أول من أمس، عندما صوت نواب في الجلسة الصباحية التي عقدت لمناقشة مشروع قانون الاستثمار الأردني، على استثناء اسرائيل من المشاركة في الصندوق الاستثماري الأردني، فيما تراجعوا في الجلسة المسائية للمجلس التي عقدت بنفس اليوم، وصوتوا ضد مقترحهم، ما أدى إلى شطب التعديل الذي يمنع من مشاركة اسرائيل في الصندوق. هؤلاء، تم تسليط الضوء على مواقفهم المتناقضة بشكل كبير وواسع على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تم تذكيرهم بمواقفهم التي كانوا يفتخرون بها، والمتعلقة بالقضية الفلسطينية وضرورة تحرير المسجد الأقصى من رجس الصهاينة، وبرفضهم  التطبيع، والتعامل مع إسرائيل، أو أي جهة إسرائيلية، في حين يصوتون ضد ما أعلنوه. وطبعا، لم يقصر الناشطون في مواقع التواصل الاجتماعي في نقد وإدانة تراجع نواب عن موقفهم خلال ساعات وليس أياما أو سنين.
المهم، أن خداع الناس هذه الأيام ليس سهلا، ولا يمكن أن يمر من دون ثمن يدفعه النائب أو الناشط السياسي أو النقابي من رصيده الشعبي أو النقابي، أو السياسي. وأعتقد، ان المتناقضين بالمواقف، والذين يعتقدون أنهم يملكون قدرات مذهلة لخداع الناس واستغلال مشاعرهم الوطنية والقومية والإنسانية سيدفعون ثمن تناقضهم وعدم صدقهم تجاه الناس.
من جهة أخرى، أظهرت تجربة التراجع عن التصويت، أن ذلك غير مقبول على الإطلاق، ومرفوض بالمجمل بالقضايا الوطنية والقومية والإنسانية.