الموت يغيب حارس الذاكرة ودحنونة فلسطين سعادة صالح

بورتريه للراحل سعادة صالح بريشة الزميل احسان حلمي - (الغد)
بورتريه للراحل سعادة صالح بريشة الزميل احسان حلمي - (الغد)

غيداء حمودة

عمان- باغته الموت وهو محلق في السماء، لتبقى روحه محلقة كما شاء لفلسطين دائما أن تكون حرة وطليقة من قيود الاحتلال. اضافة اعلان
مؤسس فرقة "الحنونة" سعادة صالح وافته المنية عن عمر يناهز تسعة وخمسين عاما، مساء الخميس الماضي، إثر جلطة قلبية داهمته وهو في الطائرة في طريقه هو وفرقة الحنونة من عمان إلى اميركا.
صالح ابن قرية بيت نبالا المحتلة في العام 48، ولد في مخيم "دير عمار" قضاء رام الله في فلسطين في العام 1954، وغادرها في العام 1967، إلا أنها لم تغادر روحه لحظة.
حصل على بكالوريوس في الهندسة المدنية من جامعة البصرة في العراق. بعد انهائه للدراسة توجه للكويت وعمل فيها، وبعد حرب الخليج توجه للأردن للعمل والاستقرار في المملكة.
عمل طوال حياته في مجال الهندسة، إلا أن مشروعه الأساسي كان حفظ التراث الفلسطيني؛ فقضى عمره في جمعه وتبويبه واعادة احيائه، وتخصص بالتراث الغنائي، وكان هدفه الأول في الحياة انجاح مشروعه وتطويره مهما كلف الأمر.
كان صاحب فكرة تأسيس فرقة للحفاظ على التراث الشعبي الفلسطيني، ومن هنا أسس فرقة ترشيحا في الكويت ومن ثم استمرت الفرقة تحت اسم "الحنونة" في العام 1990 في الأردن، والتي قدمت آلاف العروض حتى الآن بهدف حفظ التراث الفلسطيني الغنائي والزي الشعبي الفلسطيني.
"الحنونة" فرقة مختصة بتقديم التراث الشعبي الفلسطيني، تسعى لأن تكون مرجعية ومركزا للمعلومات يختص بتاريخ وتراث وثقافة المنطقة من خلال مكتبتها التي تضم مواد مقروءة ومسموعة ومرئية تم جمعها خلال 21 سنة من عمر الجمعية. 
وعبر عروضها العديدة التي قدمتها الحنونة، تعمل الفرقة على توثيق صلة الناس بجذورهم وأرضهم وثقافتهم، فضلا عن حفظ وإحياء تاريخ وتراث المهددين بالنسيان، والإلغاء والتهميش.
وتسعى الحنونة لأن يكون فريقها للفنون الشعبية نموذجا ومن أميز الفرق المحلية والعربية فكراً وممارسةً، وان يؤسس لمنهج يقتدى به في هذا المجال، واستقطبت لذلك مختصين ومحترفين في كافة المجالات المتعلقة بعمل الفريق لتدريب عناصر فريقها، كما اختارت مجموعة من عناصر هذا الفريق لتلقي تعليم فني أكاديمي في جامعات ومعاهد مختصة لتحقيق ذلك الهدف.
وأطلقت الحنونة مهرجان "حراس الذاكرة" في العام 2008 وكان توقيت بدئه متزامنا مع الذكرى الستين لاغتصاب فلسطين. وتطور المهرجان عبر السنوات واستضاف فنانين عربا ليحقق رؤية صالح في حفظ التراث وحراسة الذاكرة من النسيان.
 وسعادة صالح له ولد وابنتان، إلا أنه كان أبا حنونا لكل من عرفه، حازما عندما يقف الأمر عند مصلحة العمل، واتصف بالحكمة والتفاؤل حيث كان له من اسمه نصيب كبير، ينثر السعادة أينما حل.  عمل على اكتشاف مواهب كثيرين وتوجيههم إليها، وزرع بذرة حب العمل لدى من عمل معه عن قرب، وهو ما يؤكده الموسيقي وعازف الايقاع المعروف ناصر سلامة والذي كان عضوا في فرقة الحنونة.
يقول سلامة "كان صالح بالنسبة لي أول شخص شجعني أن أدخل مجال الفن، وأنا فعليا تحولت إلى موسيقي في فرقة الحنونة". وأضاف "هو سبب وصولي إلى ما وصلت إليه اليوم، فقد كان دائم التحفيز لي".
ولا ينسى سلامة أن صالح "كان صارما في العمل وهو ما أوجد فيّ الانسان المثابر في عملي، إلا أنه كان حنونا لدرجة أنه يجعلك تحب الطريقة التي يعاقبك فيها".ويضيف سلامة "كان قادرا على استيعابنا جميعنا صغيرنا وكبيرنا، بغرورنا وطيشنا، ووجهنا إلى ما هو أفضل لنا".
ويعتبر سلامة أن الراحل أبو يزن "أوجد حالة فنية في المجتمع اسمها "الحنونة" وزرع فينا حب فلسطين بشكل عميق".
وأكد سلامة أن رسالة صالح في حفظ التراث من النسيان هي الآن مسؤولية وهدف سيعمل هو ورفاقه على اكماله كما أراد صالح له أن يكون.
الاعلامية هناء الأعرج والتي عرفت الراحل سعادة صالح عن قرب وكان بمثابة أب لها قالت "رحل بصمت وبلا وداع. لطالما احب العمل بهدوء ولم يشأ يوما ان يذكر اسمه بالرغم من أنه من علمنا عشق فلسطين وقدسية حراسة ذاكرتها".
وأضافت الأعرج "لطالما اخبرني انه يجب علينا ان نحب الحياة حتى نتفنن في صنوف المقاومة، لطالما خلق السعادة فينا، بإنسانيته وأبوته وابتسامته ووطنيته ومحبته ورسالته".
أما الموسيقي عمر عباد فاعتبر رحيل سعادة "خسارة كبيرة للتراث الفلسطيني"، واصفا اياه بأنه "كان أبا لكل فرد فينا". ويتابع عباد حديثه "قبل يومين، كان سعادة يحتضن أطفالي، وقال لي إنه يعيش بنصف قلب، فقلت له لك قلب أكبر من كل هذا العالم".
المسرحي خالد الطريفي كتب على صفحته على "فيسبوك" "سعادة، لا يعني الغياب والموت.. غياب الحب". وأضاف "دائما كنت طائرا، وهناك في الطائرة.. تريد ان تبقى طائرا.. وروحك ستبقى تحلق فوق رؤوسنا وفي قلوبنا وفي قلوب كل حنون وشباب وصبايا الحنونة.. ومحبيها، سلام عليك".

[email protected]