الموجة القادمة للفيروس

نَشرت دورية لانسيت (the Lancet) الطبيّة المرموقة قبل أيام قليلة، دراسة لافتة تناولت الآثار طويلة المدى التي يخلّفها فيروس كورونا على المرضى الذين أُصيبوا به، ومن بينها اضطرابات النوم، والاكتئاب، والضعف العام، وضعف العضلات وغيرها. وخَلصت الدراسة إلى أنّ حوالي ثلاثة أرباع المرضى الذين خضعوا للعلاج داخل المستشفيات بسبب إصابتهم بالفيروس يعانون من واحد من هذه الأعراض على الأقل، وتتطابق نتائج هذه الدراسة مع نتائج دراسات أخرى، أقرّت بأن تأثير هذا الفيروس على وظائف الرئة والكلى تستمر لفترة طويلة حتّى بعد انتهاء العدوى. لم تكن هذه الأعراض مُفاجئة للأطباء الذين خَبروا هذا المرض، فقد بدأوا بملاحظتها مُبكراً، بل أنّ أعراضا أخرى مُتعددة باتت شائعة عند هؤلاء المرضى ومنها ما يتعلق بالجهاز العصبي، ووظائف الرئة والقلب والشرايين والكلى وغيرها. وفي بداية هذه الجائحة، تركزت جهود الرعاية الطبية على ضرورة انقاذ حياة المرضى بالحفاظ على تدفق الأكسجين الى الرئتين. لذلك استحوذت أجهزة التنفس، وأقسام العناية الحثيثة على حصّة الأسد من اهتمام القطاع الصحي في كيفية توفير هذه الأجهزة والمعدات بكميات تفي بالغرض وتسدّ حاجة المستشفيات، وتصدّرت أخبارها محطات التلفزة ومنصات التواصل الاجتماعي، وتنافست الدول المُختلفة على الاستحواذ على هذه الأجهزة والمعدات. لكن بعد أن هدأت هذه المعركة بدأ القطاع الصحي يخوض غمار معركة من نوع آخر، تتلخص في كيفية التعامل مع الأعداد الكبيرة من المرضى المُتعافين من العدوى، والذين ما يزالون يُعانون من أعراض كثيرة أثرت سلباً على نوعية حياتهم: سواءً من الناحية الجسدية، أو النفسية، بل حدّت من حركتهم وقللت من نشاطهم. أضعُ هذه المُقدمة بين يدي أصحاب الآراء ووجهات النظر التي بدأت تظهر هنا وهُناك، في محاولة للتقليل من الكلفة البشرية إثر الإصابة بهذا المرض، وأن أعداد الإصابات أو الوفيات لا تستوجب كل هذه الضجة، ولم يكفهم ذلك، بل برعوا أيضاً في وضع علامات الاستفهام حول أهمية ونجاعة اللقاح أو أضعف الإيمان في مراعاة وسائل الوقاية المعروفة. لقد تعلمنا من خلال تعاملنا مع العديد من الفيروسات التي ظهرت سابقاً، أنه في كثير من الأحيان تكون الآثار طويلة الأمد للإصابة بالفيروس أكثر قسوة وأشد تأثيراً من الفيروس نفسه، وذلك بقدرتها على التسبب بالكثير من الأمراض المزمنة ومن بينها السرطان، كما هو الحال في سرطان الكبد وعنق الرحم. لا أحد يعلم بعد المدى الذي ستذهب اليه الآثار طويلة الأمد لهذا الفيروس! لكنني مؤمن بأنّ هذا الفيروس لم يبح بعد بكامل أسراره، لكن ظهور هذه الأعراض يؤكد أهمية أخذ المطعوم والاستمرار بالالتزام بقواعد الصحة العامة. كما يجب أن يكون قطاعنا الصحي على أهبّة الاستعداد للتعامل مع الأعداد المتزايدة من المرضى الذين بدأوا بالفعل بالتردد على المؤسسات الطبية طلبا للرعاية الجسدية والنفسية . وفي الغرب بدأت العديد من المستشفيات باستحداث عيادات خاصة لمُتابعة الآثار طويلة المدى لهذا الفيروس، كما أن هناك عشرات الأبحاث التي تقوم بدراسة هذه الاثار. وهذا الأمر للأسف غير متوفر في الدول النامية التي تُعاني أصلاً من ضعف الرعاية الصحية، فما بالك بقُدرتها المُستقبلية على التعامل مع هذه الأعراض ودراستها؟ في كل يوم يفاجئنا هذا الفيروس بالجديد، ويكشف عن جوانب جديدة من شخصيته، فالثابت الوحيد حتى الآن أننا نتعامل مع فيروس مراوغ، وخبيث، بحيث لم يترك جانبا من جوانب حياتنا الا إصابه في مقتل، وليس لنا في مواجهتنا الطويلة معه بعد الله، الا العلم، نلوذ به ونضع ثقتنا فيه.اضافة اعلان