الموهبة والعبقرية: اختراع لا اكتشاف (6 - 11)

يؤدي استمرار الفكر التقليدي عند الراشدين والمعلمين والمعلمات إلى المنطق الدائري للموهبة كما يقول الموسيقار "دانيال جي. ليفيثين" لأننا عندما نقول: إن طفلا ما موهوب فلأننا نعتقد أن لديه ملكة فطرية للتفوق. ونستخدم المصطلح بالرجوع إلى الوراء عندما تكون الإنجازات متميزة. ولكن المترادفات في اللغة وعدم الدقة في استخدامها مؤشر على وجود هوة حقيقية في فهمنا للغموض المسيطر علينا. اضافة اعلان
إن الموهبة أو العبقرية تكوين أو اختراع لا اكتشاف كما يدعي تربويو الفكر البائد إلى اليوم، ومؤتمراتهم التربوية عن ضرورة اكتشاف المبدعين لن تفيد بشيء لأنها قائمة أصلا على فكرة قديمة مغلوطة، وهي أن الموهبة أو العبقرية هبة أو معطى أو فطرة ، وأن كل ما يلزم هو اكتشافها. لا يختلف تفكيرهم عن تفكير الفلاحين السابقين الذين يرون أن هذه القطعة من الأرض تصلح للزراعة، فيزرعونها والأخرى لا تصلح فيتركونها. لكن فلاحي اليوم يرون أنه يمكن استصلاح كل أرض حتى وإن كانت صحراء وزراعتها وإنتاج الوفير فيها.
وللأسف وسوء التقدير فبرك تربويو فكر الأمس مدارس للريادة والتميز مع بقاء النظريات والبرامج البائدة كما هي فلم يعثروا على موهبة ولم يكتشفوا عبقرياً. الفرصة يجب أن تعطى لجميع الطلبة، والتحدي بالمثابرة والتمرين والمواظبة الذين يؤديان إلى تكوين الموهبة وصنع العبقرية. إن في كل طفل/ة قابلية لذلك. إن البيئة في الأسرة والمدرسة والمجتمع هي التي تفتح الطريق لتكوين الموهبة وصنع العبقرية أو تغلقها.
وإذا كانت الأسرة – إجمالا- أو المجتمع في بلادنا غير موهوبين، فيجب أن تكون المدرسة موهوبة بفكرها وبرامجها التربوية وفرصها لتكوين الموهبة وصنع العبقرية. إن الذين يحتلون المراكز المتقدمة في الإمتحانات العامة الأردنية والدولية مثابرون أكثر منهم أذكياء وقد تبين أنهم ليسوا أذكى من زملائهم الذين رسبوا فيها.
إن المطلوب تربية الطفل على الإرادة والمثابرة في تحقيق الميل أو الهدف الذي يرغب فيه ويتفوق. إن استمرار الاعتقاد أن الموهوبين أو العباقرة قلة كارثي في المجتمع الذي ما يزال يتمسك بهذا الاعتقاد. إنه يحجّم التفوق والعظمة فيه. وإلى الذين يسعون إلى الوصول إلى القمة يذكرهم شنكر بما يلي:
• التمرين يغير الجسم. لقد بين الباحثون جميعا أن التغيرات الفيزيائية في العضلات والأعصاب، والقلب، والرئتين، والدماغ ... تحدث كرد فعل مباشر للتمرين أو التدريب.
• وأن التفوق أو الموهبة تكون في مهارة أو مهارات محددة. لقد بينت البحوث أن الذين يبلغون القمة يتفوقون بمهارة أو مهارات معينة وليس في مهارات أخرى، فأبطال لعبة الشطرنج يستطيعون تذكر أو تصور مئات النقلات بالترتيب، ولكن ذاكرتهم تبقى عادية في كل شيء آخر.
إن التغييرات الجسمية والعقلية استجابات خاصة جداً لمتطلبات مهارة معينة، فالدماغ والجسم يتكيفان مع متطلبات المهارة أي ان طبيعة المهارة/ الموهبة تفرض نفسها على الدماغ والجسم فيستجيبان لها.
• التمرين وأسلوب التمرين والمواظبة حاسمة. التمرين او التدريب العادي قد يغير مهارتك الواهنة ولكنه لا يكفي لتصبح أفضل. إنك بحاجة إلى نوع خاص من التمرين أو التدريب لإجبار دماغك وجسمك على أحداث التغيير الضروري للتحسن في كل مرة.
• لا يسد التمرين أو التدريب القصير المدى وإن كان مكثفا مسد التمرين أو التدريب الطويل أو المواظب المدى لأن التغييرات الحاسمة في الدماغ/ العقل والجسم تحتاج إلى وقت طويل لتحدث فسيولوجيا. لن تبلغ القمة بين عشية وضحاها ولن ينفع العليق عند الغارة كما تفعل فرقنا الرياضية.
لقد بينت البحوث أنك بحاجة إلى التمرين لاكتساب المهارة المطلوبة لمدة ثلاث ساعات كل يوم وبمقدار عشرين ساعة في الأسبوع، ونحو عشرة ألاف ساعة في عشر سنوات كي تبلغ القمة. وتحتاج كذلك  -طبعا- إلى إرادة ملتزمة وتمرين صحيح يتجاوز فيه المرء نفسه في كل مرة. إن أسلوب التمرين ومدة التمرين تنطبقان على كل تفوق عظيم في أي ميدان. إن أصحابه يقضون وقتاً أطول في العزلة والتمرين أي إلى أسلوب ثابت ومستمر من الاستعداد أو ما يسميه ايركسون بالتمرين المتروي Deliberate practice. إنه أكثر أو أكبر من العمل الشاق في التحسين المستمر للمهارة. إن التمرين المتروي يختلف عن مجرد التمرين كالذي تقوم به فرقنا الرياضية أو الموسيقية... كما أنه يختلف عن الإنغماس اللعوب في التمرين. والتمرين المتروي قد لا يكون ممتعاً لأنه ليس مجرد تنفيذ لتكرار مهارات مكتسبة سابقاً بل محاولات متكررة لتجاوز المستوى السابق في كل مرة الفاشل أحيانا، وإلا كيف تفسر دقة لاعبي كرة السلة الأميركية بإصابة الهدف من أي مسافة أو موقع في الملعب.