الميليشيات الشيعية العراقية ما تزال في بداية العمل فقط

أنشال فوهرا* - (فورين بوليسي) 18/10/2017

ترجمة: عبد الرحمن الحسيني

يوم 15 تشرين الأول (أكتوبر) قال لي زكي كمال، التركماني الشيعي ذو الشعر الرمادي: "سوف نقاتل الليلة". وكان يرتدي لباساً أسود اللون لتخليد ذكرى مقتل الإمام الحسين، الزعيم الديني في القرن السابع الذي يعتبره الشيعة القائد الصحيح للمجتمع المسلم. وتحدث بهدوء وبنوع من السلطة.
قال: "سوف يخرج البشمرغة من دون كثير من المواجهة".
وكمال قائد في منظمة بدر، المليشيا الشيعية العراقية التي ترعاها إيران، والتي شاركت مؤخراً في عملية طرد قوات البشمرغة الكردية من مدينة كركوك المتنازع عليها. وفي اليوم الذي تحدثت فيه معه، كان هو وستة جنود في منتصف العمر يتدربون على ألعاب الحرب تحت صورة كبيرة الحجم لآية الله علي السيستاني، أرفع رجل دين شيعي في العراق. وكان الرجال يناقشون الحاجة إلى إقناع مقاتليهم بممارسة ضبط النفس من أجل إتاحة المجال أمام مقاتلي البشمرغة لإخلاء مواقعهم من دون مقاومة.
كان كمال صادقاً في حديثه. فيوم الاثنين، تابع هادي الأميري، قائد تنظيم بدر، وأبو مهدي المهندس، الذي صنفته الولايات المتحدة إرهابياً والذي يقود كتائب حزب الله المتحالفة مع إيران، إنزال العلم الكردي ورفع العلم العراقي على سارية مبنى المجلس البلدي في المدينة.
لطالما كانت كركوك موضع نزاع بين الحكومة العراقية المركزية وبين الأكراد، لكنها أصبحت نقطة اشتعال بعد الاستفتاء الذي أجرته حكومة إقليم كردستان يوم 25 أيلول (سبتمبر) الماضي، والذي شمل المدينة. وقد نُظِر إلى التصويت على نطاق واسع على أنه محاولة بذلها رئيس حكومة الإقليم، مسعود برزاني، لتقوية موقفه السياسي في كردستان العراق. لكن الاعتبارات الانتخابية في باقي أنحاء البلد شكلت تداعيات الاستفتاء. ومن المقرر أن يتوجه ساسة العراق إلى صناديق الاقتراع في العام المقبل من أجل الانتخابات الوطنية -وفي هذه الحالة يعد السماح للاستفتاء بالمرور من دون الطعن فيه بمثابة انتحار سياسي لرئيس الوزراء حيدر العبادي.
ظهرت قوات الحشد الشعبي، المنظمة المظلة التي تنتمي إليها مجموعة كمال وميليشيات أخرى، كلاعب سياسي قوي في الأعوام القليلة الماضية. وفي أعقاب صدور فتوى من آية الله السستاني في العام 2014، والتي دعت جميع العراقيين إلى حمل السلاح في وجه "داعش"، ومع توفر الأسلحة والتدريب العسكري من إيران، قاتلت هذه الميليشيات المجموعة الإرهابية بحماس بالغ -وقد شجعها الانتصار بطريقة لم يعهد بها من قبل أبداً. والآن، أصبحت هذه الميليشيات تدفع المسؤولين في بغداد إلى اتخاذ موقف غير قابل للمساومة حول طائفة من الموضوعات التي تتفاوت بين إنهاء التطلعات الكردية إلى الاستقلال، وبين الحد من الشراكة الأميركية العراقية. وفي الأثناء، يحاول العبادي السير على حبل مشدود -الموازنة بين هذه الأحاسيس وبين رغبته الخاصة في تعزيز روابط الحكومة المركزية في بغداد مع واشنطن ومع خليط العراق المتنوع من الطوائف والأعراق.
يعترف كمال بأن قوات الحشد الشعبي تتلقى الأوامر من العبادي -لكن الحقيقة تظل أكثر تعقيداً بكثير. ففي واقع الأمر، تشكل هذه الميليشيات دائرة انتخابية قوية تستطيع الضغط على رئيس الوزراء من أجل التأقلم مع أجندتها، كما يكنها العمل وحدها أيضاً إذا امتنعت الحكومة عن دعمه. وعلى سبيل المثال، كان قرار منظمة بدر والمليشيات الأخرى قتال البشمرغة قد سبق تعليمات العبادي القاضية بإرسال قوات مكافحة الإرهاب لتأمين البنية التحتية الفدرالية في كركوك.
وكانت الانقسامات بين العبادي وجماعات قوات الحشد الشعبي ظاهرة للعيان حتى قبل الهجوم على كركوك. ويوم 11 تشرين الأول (أكتوبر)، قال لي مقاتلو الحشد الشعبي على الأرض في كركوك إن العملية لإعادة تكريس السيطرة على المنطقة "هي مسألة يوم أو يومين".
لكن، حتى بينما كانت قوات الحشد الشعبي تجمع قواتها، تفاخر مصدر في وزارة الدفاع العراقية باستراتيجية العبادي لحل الأزمة -اتخاذ إجراءات تضمنت فرض قيود على المجال الجوي لإقليم كردستان العراقي وحشد المساعدة من إيران وتركيا، لكن ذلك لم يتضمن العمل العسكري.
وقال المسؤول شريطة عدم الكشف عن هويته: "استخدام القوة؟ غير ممكن. العبادي يضع قائمة بالأشياء التي يمكن عملها لتلقين برزاني درساً".
وفي واقع الأمر، كان العبادي محشوراً في زاوية. لم تقطع تركيا خط الأنابيب الذي تستخدمه حكومة إقليم كردستان لتصدير النفط، بينما ضغطت مجموعات المليشيات الشيعية على العبادي لإصدار قرار سياسي سريع أو ترك الأمر الأمور لها لتتصرف.
قال كمال في معرض تفسيره لدور قوات الحشد الشعبي في السياسة العراقية: "إننا نتحرك عنما يفشل الحوار".
بعد أن سحقت "داعش" في كثير من أجزاء العراق وأعادت الاستيلاء على كركوك، تمتلئ المليشيات المدعومة من إيران حالياً بالثقة. وهي مصممة على التمسك بالسلطة التي قاتل أعضاؤها وماتوا من أجلها، وتريد أن ينظر إليها على أنها قوة شرعية -وليس كعصبة عشوائية وغير منظمة من المتشددين المسلحين.
يتعلق هذا أيضاً وإلى حد بعيد بالاستدامة الاقتصادية. لم تعد هناك حاجة لأحمد، 22 عاماً، المقاتل في قوات بدر الذي يعمل أيضاً كسائق سيارة تاكسي، بالمقدار نفسه بعد أن خف تهديد "داعش". والآن، أصبح يلتحق بوحدته في قوات الحشد الشعبي مدة 15 يوماً في الشهر -لكنه يكسب في ذلك الوقت 400 دولار. وفي المقابل، تجلب له قيادة سيارة التاكسي في النصف الثاني من الشهر 80 دولاراً فقط. وهو يقول: "يمكن أن أموت في الحرب، لكن المال جيد جداً".
عبر بناء سلطة سياسية في بغداد، تأمل قوات الحشد الشعبي في زيادة وصولها إلى شبكات الرعاية في العراق -ما يعني وظائف في الأجهزة الأمنية أو في وزارات حكومية لأشخاص مثل أحمد. ومن خلال انتزاع حقول النفط حول كركوك من الأكراد، تقوم قوات الحشد الشعبي وحلفاؤها بتضخيم العوائد المتوفرة لبغداد بشكل كبير.
عزا التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة القتال الذي نشب في كركوك مؤخراً إلى "سوء تفاهم" بين القوات الأمنية العراقية وبين البشمرغة الكردية. ومع ذلك، وعلى الأرض، يبدو الوضع مختلفاً كثيراً. ما كان للهجوم على كركوك أن يتم من دون موافقة إيران، كما أن استعادة السيطرة على الأراضي هي مجرد أحدث تطور في قائمة طويلة من الانتصارات التي حققتها طهران في المنطقة. ويستطيع أي مسافر في سورية ولبنان أو العراق أن يشاهد بسهولة تمدد النفوذ الإيراني. وإما أن الولايات المتحدة لا تعبأ بتفوق إيران، أو أنها لا تعرف أين تنظر.

*صحفي يقيم في بيروت.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Iraq’s Shiite Militias Are Just getting Started

اضافة اعلان

[email protected]