المُخلِصون في الأرض

تزخر المملكة بأعداد كبيرة من الشباب والشابات ممن يسارعون للعمل التطوعي بمختلف أشكاله ليكونوا نماذج يحتذى بها، ويؤطر سلوكهم نهجا يشجع نظراءهم لفعل ذات الأمر، حيث يقومون بما يقومون به حبا ورغبة، لم يطلبه منهم أحد، ولم يوجههم إليه أحد.اضافة اعلان
هؤلاء تترسم الابتسامة والرضى والقناعة على ملامح وجوههم، حاملين معهم الإصرار والعزيمة أينما حلوا وارتحلوا في بقاع المملكة دون كل أو ملل، فكل ما يدور في مخيلتهم فقط هو تأدية ما يعتقدون أنه واجب تجاه الوطن والمواطن، جبلوا من تراب الأرض وسرت في دمائهم روح العمل الجماعي الذي يؤدونه على أكمل وجه بعيدا عن الرياء وانتظار المدح وقصائد الشعر وصرر الدنانير.
صفحات مواقع التواصل الاجتماعي تعج بما يقوم به المتطوعون، صورهم تملأ المكان، وروح الشباب تأسر كل من يتابع جهودهم التي تبذل من أجل مد يد العون للآخرين، والأمثلة كثيرة على الإنجاز الذي يحققونه، فمنهم من يبادر إلى البحث عن الفقراء لتوفير ما يلزمهم من مأكل ومشرب وملبس، ومنهم من يستهدف المدارس من أجل إعادة ألقها ورونقها بعد صيانتها، وآخرون يبحثون عن مرضى بحاجة إلى مساعدة. هذه العينات من البشر الموجودة بيننا هم نجوم في سماء المستقبل الذي ننتظر ونحلم.
في كثير من الأحيان يقوم هؤلاء بأدوار مؤسسات في الدولة مثل وزارات التربية والتعليم والتنمية الاجتماعية والعمل، يبحثون عن تفاصيل ليضعوا فيها بصماتهم ولمساتهم وإبداعاتهم، وليفجروا خلالها طاقاتهم وحسهم الاجتماعي تجاه كل فرد وشارع ومبنى.
هذه الطفرة البشرية التي غرس في داخلها العمل بجد ومثابرة لا بد من استدارة كبيرة تجاههم، واحتضانهم، وعلى الدولة أن تسارع إلى دعمهم بكل ما يحتاجونه من أجل تحفيزهم لبذل المزيد من الجهد، ولمنحهم شعورا بأن هناك من يراقب أداءهم ويلتفت إلى منجزاتهم ويقدرها ويعظمها، ما يشكل دافعا معنويا لهم، فالميزات الانسانية التي يتمتعون بها هو ما تريده البلد.
من هؤلاء يتعلم أطفالنا، ومن هؤلاء نريد لهم أن ينهلوا حب العمل والتفاني به، فهم على نقيض تام من مسؤولين يديرون الدولة لمآرب شخصية، ومصالح آنية، وممن لم يختلطوا بهموم المواطن ومشاكله، وممن لا يشعرون بآلام العوز والفقر، وممن دفعوا البلد إلى مزيد من الخراب الاقتصادي عبر قرارات اتخذوها دون دراسة أثرها على المواطن.
الحديث عن الاستفادة من الشباب وهم يشكلون النسبة الأكبر من سكان المملكة لا يتأتى من خلال تصريحات حكومية رنانة، ووعود بتوفير فرص عمل وهمية لا تسد رمق المفعم بالحياة، كما ليست خططا على ورق تستهدف استغلال طاقات فئة عمرية بات همها البحث عن سبيل للهجرة، وإنما من خلال زراعة بذور الثقة في نفوسهم بأن الدولة تعمل كل جهدها من أجل تهيئتهم ليكونوا حاملي رايتها ولوائها.
الباحثون عن الأعمال التطوعية والمبادرون بذرة تحتاج إلى سقاية وعناية حتى يشتد عودها وتقوى خاصرتها لتكون قادرة على الصمود في وجه أعتى العواصف والتحديات التي قد تواجه الوطن، فهم فعلا المخلصون في الأرض.