النافخون في النار.. إلى متى؟

محمد الشواهين

العارفون بالتاريخ العربي، يدركون أن القيادة الهاشمية كانت وما تزال تركز على البعد القومي الوحدوي. وقد ناضل الهاشميون من أجل هذا الهدف منذ نهاية العهد العثماني وحتى يومنا هذا، من دون ملل أو كلل. وما نزال في الأردن نحتفل هذه الأيام بمئوية الثورة العربية الكبرى التي أطلقها الشريف الهاشمي الحسين بن علي وأنجاله الغر الميامين، ومعهم أحرار العرب الذي فزعوا وانتخوا من كل حدب وصوب.اضافة اعلان
الرجال الرجال هم من وقفوا وناضلوا مع ملوك بني هاشم في أحلك الظروف، والتفوا حولهم من أجل تحقيق وحدة العرب في دولة عروبية يحسب لها ألف حساب، ولمواجهة التحديات كافة، وما أكثرها، وعلى رأسها الأطماع الصهيونية والاستعمارية، فبات واضحا أن أحرار العرب، وفي مقدمتهم الأردنيون والحجازيون والسوريون والعراقيون والفلسطينيون، قد هبوا لنصرة ملوك بني هاشم وأمرائهم من أجل تكريس قواعد الدولة العربية الحديثة من جهة، ورفض مخططات التقسيم التي كانت تدور في الخفاء في كواليس دهاقنة الاستعمار الغربي الطامعين في خيرات المنطقة وثرواتها، من جهة أخرى.
المشهد المؤلم اليوم هو أن سورية الكبرى، أو بلاد الشام التي ما تزال حلم الوحدويين من أبناء العروبة، تتهاوى وتتمزق إلى دويلات. جزء عزيز منها تم اغتصابه ظلما وبهتانا، والآن أيضا مدن وقرى سورية يتم تدميرها على رؤوس أصحابها... والقائمة تطول.
الملك الهاشمي المؤسس عبدالله بن الحسين طيب الله ثراه، استطاع بحنكته أن يقيم نواة الدولة العروبية على أرض شرق الأردن. واختار رشيد طليع، الشخصية العربية الدرزية، أول رئيس وزراء لحكومته. ثم سارت القافلة.
نسوق هذا الكلام لأن من لم يستفد من التاريخ، لم ولن يفهم الحاضر. ومن لم يأخذ من التاريخ عبرة، لن يكون له مستقبل واضح. هذه حقائق ينبغي على كل عربي بوجه عام، وأهل بلاد الشام بوجه خاص، أن يعوها جيدا، وأن يدركوا أن وحدة بلاد الشام كركن أساسي للوحدة العربية الشاملة، يجب أن تظل مطبوعة في أذهاننا ما دام فينا عرق ينبض بالحياة.
بالأمس القريب، قام مجرم بارتكاب فعلة شنعاء خسيسة، أودت بحياة خمسة من مرتبات دائرة المخابرات العامة. وقد استنكر الجريمة البعيد والقريب، بل وطالب والد المجرم بإنزال أقصى العقوبة به، وبكل من تسول له نفسه المساس بأمن الأردن واستقراره؛ فما الداعي إذن لتلك الأصوات النشاز التي تنطلق من هنا وهناك للنفخ في النار بغرض إشعال الفتنة؟! علماً أنها أصوات قليلة ومرفوضة جملة وتفصيلا من شرائح المجتمع الأردني كافة.
إن شعبنا واع حريص على متانة نسيجه الوطني، ويعض بالنواجذ على وحدته الوطنية التي هي سياجنا ودرعنا اللذين نواجه بهما كل التحديات والأخطار من أي مصدر كان، وسط محيط ملتهب. وبشهادة العالم كله، فإننا ما نزال بلد الأمن والأمان، وسوف نبقى كذلك بمشيئة الله وتوفيقه، ثم بفضل وعينا وإدراكنا لكل ما يدور حولنا، إذ نأخذ منه العبرة والعظة، أليس كذلك؟