النجار تحاضر في قطر عن الرؤيا التكاملية الشمولية للثقافة العربية

النجار تحاضر في قطر عن الرؤيا التكاملية الشمولية للثقافة العربية
النجار تحاضر في قطر عن الرؤيا التكاملية الشمولية للثقافة العربية
الدوحة- قالت وزيرة الثقافة الأردنية هيفاء النجار: إن الثقافة العربية بأقانيمها وأقاليمها المتنوعة خضعت في تشكلها لعدد من التحديات التي يفرضها الموقع الجيوسياسي والوضع الاقتصادي والاجتماعي للإقليم وقضاياه الكبرى وعلى رأسها القضية الفلسطينية، مشيرة إلى أن العلاقة مع المحيط الجغرافي والدولي، يمثل تحديات خاصة لدولة أو مجموعة من الدول العربية المتشابهة في ظروفها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. وأكدت في محاضرة لها بمركز الدوحة للمعارض والمؤتمرات، (اليوم الأربعاء 19/1) وحضرها السفير الأردني في الدوحة زيد اللوزي وعدد من المثقفين العرب وحملت عنوان "الرؤيا التكاملية الشمولية للثقافة العربية"، أن الثقافة العربية تتصل بالعروبة ليس بوصفها عرقا أو قومية بل بوصفها لسانا، تتوفر على قدر كبير من المشتركات، من بينها اللغة، والتاريخ المشترك، والعادات والتقاليد، والأديان، والقيم والأخلاق، ووحدة الإقليم والهدف والمصير المشترك. وبينت النجار في المحاضرة التي أقيمت إطار معرض الكتاب الذي يقام بالعاصمة القطرية، الدوحة، وتديرها الإعلامية آمال عراب من التلفزيون العربي، أن اللغة أو وحدة اللسان ليس المقصود من ورائها إخضاع المجاميع العربية لجملة القيود النحوية والصرفية والبلاغية الشكلية التي تفرضها اللغة على مستخدميها بوصفها جزءا من الأعراف الاجتماعية وطرائق التعبير المتوارثة والقسرية الحضور، بل بوصفها منهجية معيارية مشتركة للتفكير وإنتاج المعرفة الإنسانية على أرضية واحدة من الضوابط القيمية والأخلاقية والاجتماعية. تنوع ثقافي أكدت النجار أهمية الحديث عن تصور عام مرن للثقافة الجامعة، يحترم الخصوصيات ولا يعبث بها، ويتيح لها حرية التفاعل الديمقراطي والاقتراب الحي من بعضها بعضا، وأن هذا التفاعل الإيجابي سينمو مع الزمن بحكم العيش المشترك تحت سقف المواطنة القائمة على التكافؤ في الحقوق والواجبات التي يقررها الدستور والقوانين النافذة بشكل عادل، وأن ترعى الدولة المدنية ببنيتها التشريعية وهياكلها المؤسسية كل ما من شأنه أن يعزز التعايش، ويحفظ السلم والأمن الاجتماعيين. وأشارت النجار إلى أن الثقافة العربية هي إطار عام وعريض، تندرج تحته العديد من الثقافات الفرعية، وإن مثل هذه الثقافات الفرعية موجودة داخل كل قطر عربي، وهذه الثقافات تغذيها روافد عرقية ودينية واجتماعية ومهنية، وهي موجودة بالفعل، وأن محاولة طمسها أو إلغائها لصالح هوية فرعية أخرى تشكل أغلبية من نوع معين هو هيمنة ثقافية، تتناقض مع الجوهر الإنساني للثقافة. الوزيرة النجار شددت أن إقصاء الجوهر الذي يتصل بالتنوع ويتصف بقدرته الناعمة على استقطاب كل ألوان الطيف، واستثمار طاقاتهم، يمكن أن يؤدي إلى تخلخل تماسك المجتمع، وتعرض أمنه واستقراره للخطر، وربما يغري ذلك بعض القوى الإقليمية والدولية التي لها مصالح في توفير ملاذات دافئة لأصحاب تلك الثقافات المهمشة، والدخول إليها من نوافذ متعددة بعضها مذهبية، وبعضها قومية، وبعضها دينية. كما شددت النجار التصور التكاملي الشامل لثقافة المجتمعات العربية لا بد أن يقوم على أساس مراعاة التكوين الأفقي للثقافة لجهة شمولية التصور لجميع العناصر والكتل البشرية، ومراعاة عوامل التجانس لدى كل كتلة بشرية في كل مجتمع من المجتمعات العربية المتعددة واحترامها، وعدم المساس بها باعتبارها نكهة خاصة لهذه الكتلة أو المجموعة البشرية، سواء أكانت دينية، أو عرقية، أو مهنية، أو جغرافية، وتعزيز منظومة القيم والثوابت الوطنية العامة. خطاب ثقافي عربي توقفت النجار عند بعض التجارب التي خاضتها المجتمعات العربية في تبني المناهج والتيارات الفكرية الشمولية التي لم تصمد كثيرا، ولم تحقق الأهداف التي وجدت من أجلها، وظلت المجتمعات في مستويات متواضعة من التنمية والاستقرار، مستدركة أن على الخطاب الثقافي العربي أن يتحلى بالمرونة والاستجابة لمتطلبات العصر المدنية. وقالت النجار أننا معنيون بتلمس ملامح عامة لخطاب ثقافي عربي يعظم الحريات لجميع المكونات الاجتماعية، ويكرسها ويقوننها من غير ضرورة للانسياق في ركاب الليبرالية الجديدة المفرطة التي تمخضت واقعيا عن تحرير رأس المال أكثر من حرصها على تحرير الأفراد. وألمحت النجار إلى أن الموقف من سلبية التطبيق الواقعي لليبرالية الجديدة لا ينبغي أن يكون مدعاة للردة عن الفتوحات المهمة التي أتاحتها الليبرالية أمام الأفراد والجماعات في مجال الحرية والإبداع والوقوع في براثن سلطة ثقافية تعيدنا إلى الوراء. وشددت النجار أن أي خطاب ثقافي مثمر ليس عليه أن يؤمن باستيعاب جميع المكونات الداخلية المختلفة فحسب، بل عليه أيضاً أن يكون متصالحاً في إطار التنوعات القومية والعرقية والثقافية، والتركيز على الجانب السلمي للخطاب الثقافي. وقالت النجار إننا بحاجة إلى تنمية القدرة لدى الأجيال القادمة على إدارة الاختلاف والتنوع بالشكل الأمثل، ملقية المسؤولية على الدول والحكومات في زرع هذه البذور الثقافية في الطرق والمسارب التي يسلكها الأطفال ليعثروا عليها في مناهجهم وألعابهم ووسائل الإعلام الموجهة إليهم. رؤيا ثقافية مستقبلية وأكدت النجار أننا بحاجة لخطاب ثقافي عصري يدور في منطقة تتقاطع فيها جميع العناصر والمكونات الاجتماعية دون أن يكون ثمة إكراه على الاتحاد وذلك بالمعنى الرياضي الحسابي لمصطلحي التقاطع (العناصر المشتركة المتشابهة) والاتحاد (جميع العناصر المشتركة وغير المشتركة). وعولت النجار على الجوامع المشتركة التي تؤسس لرؤيا ثقافية مستقبلية تؤسس لها اللغة التي يتفاهم بها قرابة (400) مليون عربي يشكلون حوالي 5% من سكان العالم يقيمون على إقليم مساحته حوالي (13) مليون ونصف كم مربع بما نسبته حوالي 10% من مساحة العالم، وتعد العربية بما هي لغة مفهومة في عالمنا العربي من المحيط إلى الخليج عاملا مهما في التقارب الفكري والوجداني والتواصل الثقافي والحضاري. وعبرت النجار عن الأحلام والطموحات التي يحملها الفكر المكتوب بالعربية المبني على مقدمات تراثية طويلة في كل فروع المعرفة منذ فجر الأدب والشعر العربي، والطب والفلسفة والفلك وسائر صنوف المعرفة التي صارت تراثا علميا وأدبيا للعالم المتقدم ما بعد العصور الوسطى، موضحة إن أهم ما يطبع هذا العالم، ومنه منطقتنا العربية التطلع في هذا العصر إلى ما يقع خارج الأسوار على جميع الصعد، وذلك لما يتوفر من حركة صاخبة على الآفاق العالمية المحيطة بنا شرقا وغربا والرغبة الملحة لدى الأجيال الصاعدة من الانغماس والتعرض للتيارات الحيوية التي توحي بالدفء لما تحمله من شعارات تعلي من شأن الفرد، وتحترم خصوصياته. الثقافة الإنسانية أشارت النجار في معرض حديثها إلى أن الصراع بين متطلبات السيادة المحلية والثقافة الإنسانية العامة لم يعد يغري الأفراد كثيراً بالتصدي لهذا الصراع، ولم يعد مجديا بالنسبة للحكومات الوطنية حول العالم؛ لأن التيار جارف وقوي، وتأسيساً عليه فإننا نتنافس مع قوى عالمية مدنية ومؤسسات أممية استراتيجية على كسب ثقة مواطنينا بتنوعاتهم واختلافاتهم، الأمر الذي يعني أن علينا تحييد جميع الإشكاليات التي تؤدي إلى قسمة طويلة لا تنتهي دون باقٍ. ودعت النجار إلى ضرورة الإيمان بأننا جزء من هذا العالم نتأثر بما يمر به من مراحل ثقافية وحضارية، وان العالم مر بمراحل حضارية متنوعة، وقد عبر العالم من الزراعة إلى الصناعة بسرعة كبيرة اختصرت المسافة إلى 300 سنة تقريبا، أما عصر ما بعد الصناعة فهو العصر الذي تصبح فيه المعارف والخبرات والأفكار وتكنولوجيا المعلومات والأفكار الريادية، وما يتصل بها من خدمات بمثابة سلع اقتصادية باهظة الثمن. لغة العلم حذرت النجار أن قطاع الإعلام والاتصال الرقمي قلل المسافات في الانتقال من مرحلة إلى أخرى، الأمر الذي لا يمنحنا كثيرا من الوقت للتوقف على مفترق الدروب للتأمل، والبحث عن لغات يفهمها العالم ويصغي إليها، معولة على لغة العلم القادرة على عبور كل التناقضات القومية والعرقية والألوان والألسنة والحدود ، وإن هذه المعادلة هي التي يمكن أن تستوعب عناصر الفسيفساء العربية وتؤطرها وتسوقها في بناء متماسك قادر على الصمود في وجه التكتلات والأحلاف الدولية والقوى العالمية المهيمنة لا لمواجهتها واتخاذ مواقف مسبقة منها، ولكن للدخول ضمن ركب الحضارة الإنسانية، والمساهمة في صياغة بعض ملامحه من خلال التعبير عن جوهرنا وكينونتنا . وأكدت النجار أننا مدعوون ليس للفصل بين الدين والدولة، بل لبناء ثقافة مدنية منحازة للواقع والعصر، ولعل من أبرز الملامح العامة للمشروع الثقافي العربي الشامل، هو تعميق الاعتزاز باللغة العربية بوصفها وجها آخر للثقافة الجامعة، وبذل كل ما من شأنه المحافظة عليها، وتعزيز فكرة المواطنة بوصفها الرابطة الثقافية الجديدة في المجتمعات الحديثة، وتعميقها في نفوس المواطنين، وما يتضمنه ذلك من حقوق وواجبات نحو المجتمع، مع التركيز على جميع الحقوق التي تليق بالإنسان، وصياغتها دستوريا وقانونيا بما يكفي؛ لتكون موضع اهتمام من الحكومات والإدارات والسلطات الحاكمة، أما الواجبات فهي مؤكدة بما يكفي، كما أنها تولد وتتعزز عاطفيا ووجدانيا كلما تراكمت الحقوق وتحققت. كتابة التاريخ دعت النجار في سياق حديثها عن المراجعة الفكرية إلى ضرورة الابتعاد عن فكرة (الأدلجة) في المناهج والتعليم بجميع مراحله، وفي التربية الإعلامية، والسياسية، والوطنية، وفي كتابة التاريخ، وفي التشريعات، وتنمية روح التفكير العلمي الناقد، ورفع الحصانة عن نقد التراث الفكري والتفريق بينه وبين الدين. كما دعت إلى بناء المؤسسات الديمقراطية، وتعزيز حضورها في جميع قطاعات المجتمع، وتعظيم دور مؤسسات المجتمع المدني، ودعمها وتمكينها لتلعب دورها في القيادة المجتمعية، واحتضان الأفراد وبناء قدراتهم في شتى المجالات، وتعميق المعرفة بتكنولوجيا المعلومات، وتفعيلها ونشرها بين الناس، ومحو الأمية فيها بين جميع شرائح المجتمع، وذلك بوصفها إحدى أدوات ومستلزمات التفكير الابتكاري والريادي، بما تتيحه من جسور وفرص للتلاقي مع التجارب العالمية وروادها. ثوابت الفكر الإنساني شددت النجار على ضرورة تعزيز ثوابت الفكر الإنساني المستنير بما يعزز النظرة الإيجابية وثقافة الأمل نحو المستقبل، وما يتصل بذلك من قيم الخير، والحق، والجمال، والعدل، والحرية والتسامح واحترام الآخر، من خلال روافد بناء الثقافة كالتعليم والإعلام ومؤسسات المجتمع المدني. وقالت النجار إن العروبة تمثل لسانا وتاريخا طويلا من العيش المشترك، وليست فقط عرقاً أو قومية مغلقة، وإنما هي كيان إنساني مرن قادر على استيعاب جميع المكونات البشرية المنضوية تحت لوائها، وأن الضامن لتماسك هذه الأمة يتجلى في حدة المصير والهدف والرسالة، وتعزيز عناصر التكامل العربي على المستويات الاقتصادية والعلمية والاجتماعية. وقالت النجار إن الخطاب الثقافي يجب أن يتحلى بروح العلم، وأن يتحرر نسبياً من الوجدانيات التي تحركها النوازع والخصوصيات وتؤدي في النهاية إلى صياغة مخرجات تجمع بين العرق والدين والأيديولوجيا، داعية إلى تعزيز القدرة على إدارة التنوع والاختلاف وتحويله من تحديات تتهدد وحدة المجتمع إلى فرص حقيقية للتنمية والاستقرار. وختمت النجار المحاضرة بقولها: نحن جزء من هذا العالم ولسنا كل العالم، وعلينا أن نؤمن بأن الخطاب الثقافي ذو طبيعة إنسانية عامة، وبناء عليه فإن علينا أن نخاطب العالم كما نحب أن يخاطبنا العالم وباللغة ذاتها.اضافة اعلان