النسور: الأردن دولة مدنية لا علمانية ولا دينية

رئيس الوزراء الدكتور عبدالله النسور-(أرشيفية)
رئيس الوزراء الدكتور عبدالله النسور-(أرشيفية)

هديل غبّون

عمان- كشف رئيس الوزراء الدكتور عبد الله النسور عن أبرز ملامح الخطة الحكومية الجديدة لمكافحة التطرف، فيما كشف عن توجه الحكومة إلى إعداد مشروع قانون الانتخاب قبل الصيف المقبل، واصفا الأردن بأنه "دولة مدنية ليست علمانية ولا دينية". اضافة اعلان
وبين النسور في كلمته خلال رعايته مؤتمر "نحو استراتيجية شاملة لمحاربة التطرف... فرص التوافق الوطني وتحدياته" الذي نظمه مركز القدس للدراسات السياسية في فندق لاند مارك بعمان صباح أمس السبت، جاهزية الحكومة لإعداد مشروع قانون الانتخاب قبل الصيف المقبل، فيما أكد أن مشروعي قانوني اللامركزية والبلديات سيصار إلى رفعهما إلى مجلس الأمة خلال أيام.
وتستند ملامح الخطة الحكومية وفقا للنسور، إلى ثلاثة محاور رئيسية قائمة على تقديم معالجات أمنية وفكرية وسياسية، فيما اعتبر أن هناك خمسة عوامل رئيسية مغذية للإرهاب أخذت بعين الاعتبار ضمن الخطة، في مقدمتها انتشار " المفاهيم المغلوطة حول الاسلام وإخراج بعضها عن سياقاته، كالحاكمية والجهاد والخلافة" .
وأكد أن عناصر الخطة الاستراتيجية في مكافحة التطرف تشمل، تحقيق الأمن بمفهومه الشامل فكريا وسياسيا واقتصاديا، كما تشمل في المجال السياسي والحقوق والحريات ترسيخ أسس الديمقراطية وحكم الأغلبية وترسيخ دولة المؤسسات والقانون إضافة الى احترام حقوق الإنسان الأساسية.
أما في المجال التربوي فقال إن اهل العلم هم المكلفون ومحاطون بمسؤولية كبرى تقع على عاتقهم لبذل جهدهم لتحصين الناس وتأصيل معاني الخير في نفوسهم ليكونوا عناصر بناء لا تخريب.
وقال النسور إن الخطة تتضمن كذلك، إعادة النظر في المناهج المدرسية بما يبني الشخصية المعتدلة وإعادة الاحترام لرسالة المسجد برعاية وتأهيل الأئمة والوعاظ، مشير إلى أن منهج الحكومة ثابت بإتاحة المجال لمزيد من الحريات الإعلامية دون تدخل ومصادرة في الرأي.
وأقر النسور بضعف المؤسسة الدينية الرسمية كأحد أسباب نمو "التطرف"، إضافة إلى "انتشار الجهل بحقيقة الإسلام وضعف العاملين في المساجد"، فيما أن "التسلط وفقدان النظام المؤسسي والفقر والبطالة والظلم والتمييز بين الأفراد وانتشار المحسوبية وشعور الفرد بخيبة الأمل والظروف الاقتصادية الصعبة، إضافة إلى الإحباطات السياسية المتتالية و"الفشل المزمن" في حل القضية الفلسطينية حلا شاملا وعادلا، كلها عوامل أسهمت في تغذية التطرف".
ولم يخف النسور، أن الخطة جاءت في سياق التحولات الجذرية الأخيرة في التعامل مع ملف محاربة الإرهاب والتطرف، قائلا إن الأردن "أثبت صحة قراراته في الخوض في الحرب على "داعش""، مشيرا الى أن الطريقة البشعة في قتل الطيار معاذ الكساسبة ، أكدت "نجاعة قرار القيادة الأردنية في الحرب على الإرهاب والانخراط في التحالف الدولي".
واشار النسور في المؤتمر الذي حضر افتتاحه وزراء الإعلام والشؤون السياسية والبرلمانية والأوقاف، إلى أن "ظاهرة التطرف" أدت إلى تدهور أمني أسقط على إثره أنظمة عديدة، حيث "انتشر الدم وجز الأعناق وتهجير الناس وتدمير مقدرات الأمة بصورة تجاوزت الخيال".
ونوّه النسور في المؤتمر الذي بدأ بالوقوف دقيقة صمت على روح الشهيد الكساسبة الى أن "المتطرفين أصبحوا يصدرون أحكاما بالكفر ويعيثون فسادا في الحياة، وهي مظاهر تستوجب الوقوف لإيجاد الحلول الفورية والبعيدة المدى وإنهاء هذا التعصب، وتجاوز هذه الكارثة التاريخية".
وتابع: "رغم أن الأردن ينعم بنعمتي الأمن والاستقرار، إلا ان هذه المخاطر لم تعد بعيدة عنا"، مشيرا الى أن المملكة بادرت بالوقوف في وجه تلك المخاطر دفاعا عن الوطن والأمة والإنسانية، فيما رأى أن أسباب ظاهرة التطرف "متداخلة"، بوصفها ظاهرة مركبة ومعقدة.
ونوه رئيس الوزراء، إلى أن الإحصاءات الرسمية تشير إلى أن الدول العربية والإسلامية هي أكبر متلق للمنح والمساعدات من الدول الغنية، بما يصل الى 70 مليار دولار.
وشدد النسور على أن قيادة الأردن مستنيرة وتؤمن بحقوق الانسان وتحترم كل رأي حتى وإن كان موغلا في معارضته.
أما عن فشل حل القضية الفلسطينية ، فاعتبر النسور أن "الإرهابيين استغلوا فشل حلها"، مضيفا أن "فلسطين قضية عادلة لكن أسلوب التعامل معها ظالم، ومن هنا بات واجبا علينا وعلى القوى الدولية الفاعلة ضرورة بذل المزيد لإنهاء معاناة الشعب الفلسطيني وتمكينه من حقوقه وبناء دولته".
وأضاف أن "الجماعات المتطرفة استخدمت الانترنت لتلويث أفكار الشباب وبث أفكار التطرف والتحريض ضد الدول والحكومات، ومحاولة إسقاط العلماء الكبار والمفكرين والتجنيد العسكري والدعوى الواضحة الى الفوضى".
وأكد النسور:" نحن دولة ليست علمانية ولا دينية بل مدنية ديمقراطية، أي للدين مكانته المحترمة والفاعلة، وفي نفس الوقت للدين المسيحي مكانته الايمانية، كما ان إخواننا المسيحيين هم منا ونحن منهم".
بدوره، قال مدير مركز القدس للدراسات السياسية عريب الرنتاوي إن فكرة تنظيم المؤتمر، "انبثقت من قراءة دقيقة للتحديات التي تواجه بلادنا والإقليم من حولنا، مع اشتداد هبوب رياح التطرف والغلو، وتفاقم التهديد الإرهابي الذي يعصف بدول ومجتمعات شقيقة من حولنا".
وأوضح الرنتاوي أن الأردن اليوم "منخرط في حرب شاملة، متعددة المسارات والمستويات، مع التطرف والغلو والإرهاب، وأن من واجب الجميع النهوض كل من موقعه وبقدر استطاعته لضمان الانتصار في هذه الحرب المديدة والمريرة".
 وفيما تستمر أعمال المؤتمر على مدار اليوم وغدا، توافق متحدثون في الجلسة الأولى أمس على أهمية استمرار مسيرة الاصلاح السياسي كأدة لمحاربة التطرف وهو عنوان الجلسة.
فمن جانبه، قال وزير الشؤون السياسية والبرلمانية الدكتور خالد الكلالدة في بداية الجلسة، إن التدرج في عملية الاصلاح ضرورة، وإن هناك إجماعا مجتمعيا ورسميا وحزبيا بأن الاصلاحات تسير في الطريق الصحيح لكنها لم تصل بعد إلى نهايتها.
وبين الكلالدة أن الوزارة عملت على صياغة مشروع قانون انتخاب بعد دراسة نحو 107 أنظمة انتخابية حول العالم كان آخرها الأسبوع المنصرم.
ولفت إلى أن مشروع قانون الانتخاب أخذ بعين الاعتبار كل المعايير، بما فيها البعد الديمغرافي والتنموي والإنساني، مضيفا: "لا تستطيع أن تسن نظاما انتخابيا بناء على عدد السكان دون أخذ الجغرافيا بعين الاعتبار".
وحمل الكلالدة الأحزاب "مسؤولية عزوف الشباب عن الانخراط فيها"، قائلا إن القانون "لا يصنع حياة حزبية، وأن جمود الخطاب الحزبي الموروث منذ أربعين عاما هو وراء ذلك".
وتابع أن "التطرف في بعض المجتمعات المحيطة بالأردن كان بسبب عدم التدرج بالإصلاح مما ادخل تلك الدول بالفوضى".
وكشف عن أن "غالبية قضايا المحكومين بالإرهاب أمام محكمة أمن الدولة ينتمون إلى جبهة النصرة، وأن أكثر المنخرطين في صفوف المقاتلين مع التنظيمات الإرهابية خارج الأردن هم من دول أوروبية، وأن الأردنيين أقلهم".
وأكد الكلالدة أن الإصلاح في الأردن هو أولوية كبرى بخلاف كثير من دول الربيع العربي، مشددا على ضرورة أن يسير الاصلاح السياسي إلى جانب الأمن.
وانتقد عدم توافق القوى السياسية على برنامج وطني موحد، رافضا أن تسمح القوى السياسية أو الشعبية لنفسها أن تكون أداة أو بوقا لأي تنظيمات أو قوى خارجية حتى تبقى عملية الإصلاح داخلية.
وأضاف: "تدرك كل القوى السياسية أن عدم توافقها يعني فتح الباب أمام تسلل أفكار متطرفة، لسنا حاليا في حالة رخاء سياسي بسبب الظروف حتى نضيع الوقت في الحرد السياسي، الاصلاح الحقيقي هو الذي يحارب التطرف".
أما رئيس حزب التيار الوطني النائب المهندس عبد الهادي المجالي، فرأى من جهته أن هناك "غيابا للإرادة السياسية في إتمام العملية الاصلاحية"، قائلا إن "أسباب التطرف الكامنة هي الأخطر إلى جانب الأسباب الظاهرة".
وأوضح المجالي أن أي معالجة للتطرف وبيئاته العضوية، لا بد أن تأخذ بالاعتبار أن الأردن ليس معزولا عن محيطه.
واستشهد المجالي بالساحة المصرية التي تعتبر "بيئة محفزة للتطرف"، قائلا: "يصبح التطرف أوسع انتشارا واكثر حيوية، من خلال محفزات النظام العالمي، اضافة الى القضية الفلسطينية وعدم موضوعية السياسة الدولية والمواقف الأميركية تجاه القضية الفلسطينية".
وقال: "إن من يتتبع أزمات المنطقة ومعالجة التحالف الدولي فيها، ومنها مواجهة "داعش" عليه ان يسأل نفسه هل التحالف يصارع التنظيم أم يدير صراعا معه"، مشيرا الى ان أفكار المفكرين الأميركيين ومنذ أعوام تجعل إنسان المنطقة ينظر الى أحداث اليوم بزاوية مختلفة.
وأكد أن أميركا "غير معنية بمعالجة داعش، بل إنها تعمل على إدارة أزمة داعش، لانها تنظر الى المنطقة بتصورات تفكيكها، وهي بهذا تحتاج الى مثل هذا التنظيم لتنفيذ ما تريد".
واعتبر أن التأسيس لمعالجات أمنية وعسكرية يجب ان تترافق مع معالجات اجتماعية وثقافية واقتصادية وغيرها.
وفي السياق ذاته، تحفظ النائب مصطفى الحمارنة، ممثلا عن كتلة مبادرة، على اعتبار الفقر والبطالة وحدهما سببا لولادة التطرف، مضيفا: "الإرهاب عابر للإيديولوجيات، وعلى الدولة ان تتبنى فكرة الدولة المدنية والمواطنة، وذلك هو الحل".
وأضاف الحمارنة :" إن ما بيننا وبين داعش حياة أو موت لروح الأمة وعقلها، لا مجال معه للمساومة."
وعزا فشل الحركات السياسية العلمانية والتقدمية إلى موضوع المرأة، مؤكدا: "إذا لم تتحرر المرأة العربية لا يمكن أن يتحرر المجتمع العربي".
وأكد أنه لا يوجد أي مبرر سياسي لتراجع الاردن عن الديمقراطية.
إلى ذلك، قال الأمين العام لحزب جبهة العمل الإسلامي محمد عواد الزيود إن معالجة التطرف لا تنجح إلا بتضافر جميع الجهود والوقوف في صف الوطن لمعالجتها.
وقال الزيود: "كنا قبل أيام نسمع عن "دعشنة" علمانية تستغل الحرب على الإرهاب في اعلان الحرب على الإسلام وعلى القيم المحافظة على مجتمعنا، وتسعى الى إقصاء القوى السياسية والمشاركة".
وجدد موقف حزبه بوضوح من "رفض الانخراط في الحرب على الإرهاب"، محذرا مما أسماه "الانجرار إلى مستنقع الحرب في سورية والعراق وإغراق جيشنا في حرب استنزاف ليست حربنا".
وقال إن "التطرف صناعة قذرة مرفوضة وهو ناتج عن غياب العدالة وتفشي الظلم واغلاق باب المشاركة وغياب التوازن الدولي وعلى رأسها القضية الفلسطينية".
وأشار إلى أنه "لما قامت ثورات الربيع غابت خطابات التطرف، ولما قامت الثورات المضادة عاد معها التطرف والغلو والعنف".
وقال إن "ادوات التغيير في المجتمع عادت إلى النمط البدائي، عبر استنهاض الأفراد للهوية الفرعية، جراء غياب عملية سياسية تنتج النخب بحيث تجدد الدماء بطريقة صحيحة، مما عزز منظومة الفساد الإداري والمالي وجعل الثقة في مؤسسات الدولة في مهب الريح".
وطالب الزيود "بعقلنة الممارسات التي تقوم بها الدول تجاه شعوبها وتجاه التيارات السياسية فيها، وعلى وجه الخصوص التيار الإسلامي، وإعادة سكة الإصلاح إلى مسارها الصحيح ومحاربة الفساد وعدم الانجرار الى الحرب في سورية".
وحملت الجلسة الثانية عنوان "الاستراتيجيات الاقتصادية والاجتماعية كأدة لمحاربة التطرف"، وتحدث فيها وزير التخطيط والتعاون الدولي إبراهيم سيف، والعين الدكتور جواد العناني، والدكتور عمر الرزاز، والدكتور خالد الوزني.

[email protected]