النص ملك للقارئ فقط!

زيرالدا حداد*

هل سبق لك أن أعدت، بعد عقد من الزمان، قراءة رواية أدبية أو كتاب فكري؛ سياسي أو حتى اقتصادي؟ هل تفاجأت بأن انطباعك أو حتى منظورك تجاه الكتاب قد تغير بالكامل؟ اضافة اعلان
يبدو الأمر بدهياً في ظاهره، وقد يدرج تحت مسمى الترف الفكري في ظل ما يدور في العالم من أحداث ومتغيرات مهمة. لكن ما جرى من تغيير لفهمك كقارئ للنص قد يحمل دلالات لا تقل أهمية.
مما لا شك فيه أن الكتاب بعد صدور طبعته بقي جمادا صامدا على رف مكتبتك، ولم تعبث به أيد خفية! كما من المرجح أن منظومة الأخلاق لديك، وما تحمله من ثوابت، لم تتغير أيضا. فما الذي تغير؟ إنه ما يسمى "توقيت المعرفة"، الذي تزامن مع ما اكتبسته من محيطك من خبرات معرفية تراكمية، وقدرة على تفكيك رموز النص وتفسير ما يحمله من مشروعية مزعومة في الدفاع عن قضايا أو حتى أرقام قد لا تخدم أهدافك وذكاءك كقارئ.
يقول إدوارد سعيد: "إن النص بمضمونه حقيقة تاريخية تستمد أهميتها من التفسير والذي بدوره يعتمد على مرجعية وأهداف وتوقيت الشخص المفسر للنص". إذن، يمكن الجزم بأن النص في آخر المطاف هو ملك للقارئ فقط، والذي له القدرة، مهما طال الزمان وتشوهت الحقائق التاريخية واختلطت الأوراق، على فك رموزه وتفسيره وفق مرجعيته المكتسبة، وأهدافه وخبراته؛ إضافة إلى القدرة على فصل وتحييد "الآخر" من نص قد يحمل في ثناياه أجندات تعبوية أو طائفية مخفية لا تخدم واقع ونضوج المفسر.
عزيزي القارئ، مما لا شك فيه أن الخطاب التعبوي الذي طالما ادعى اليقين المزعوم، وغيّب الفروق والنقد والتفسير، قد أثقل تاريخنا البشري الحديث بمجازر وحروب ومحارق، وجعل العالم يغيّر مساره الى مرحلة ما بعد الحادثة، حيث بات النص ملكا لك انت وحدك. فمتى ستعيد قراءة نصك؟

*إعلامية أردنية