النظريات التي تفسر التاريخ

في البداية، يحسن بنا التفريق بين "التاريخ" (بالألف الممدودة) وبين "التأريخ" (بالهمزة). فالأول، هو المادة المكتوبة والشفهية التي تتحدث عن الماضي. أما الثاني، فهو التسجيل، كما يفيد مفكر عراقي. وأشير بعد هذه المقدمة إلى النظريات المتداولة المستخدمة من هذا وذاك لتفسير التاريخ، وهي:اضافة اعلان
1 - النظرية الجغرافية التي ترى أن التاريخ هو صناعة الجغرافيا؛ بمعنى أن التربة والتضاريس والمناخ هي التي تشكل سلوك البشر. وكأن التاريخ العام من صنع الطبيعة لا الإنسان.
2 - النظرية الاقتصادية أو الماركسية، التي ترى أن التاريخ تقرره كيفية إنتاج السلع والخدمات والصراع الطبقي؛ أي أن التاريخ العام من صنع الإنسان.
3 - النظرية السياسية، التي ترى أن التاريخ مجرد سلسلة من السلالات الحاكمة والأحداث والمعارك؛ أي إن التاريخ من صنع الأفراد والملوك والأباطرة.
4 - النظرية النفسية، التي ترى أن التاريخ ليس سوى نتاج لعملية الكبت والدافع الجنسي والعداء اللاشعوري للغير، كما يقول سيغموند فرويد؛ أي إن التاريخ العام من صنع الجنس واللاشعور، وليس من صنع الشعور أو الوعي.
5 - النظرية الفلسفية، التي ترى أن التاريخ أو الحضارة أشبه بكائن حي، بمراحل تشبه المراحل التي يمر فيها الإنسان: جنيناً، فطفلاً، فمراهقاً، فشاباً، فكهلاً، فموتاً واندثاراً؛ أي أن التاريخ انعكاس لطبيعة الإنسان البيولوجية.
6 - نظرية التحدي والاستجابة لأرنولد توينبي. وتعني قدرة الشعوب والأمم والحضارات على الاستجابة بنجاح للتحديات البيئية والبشرية. والتاريخ عند توينبي خطي (Linear)؛ أي إن التاريخ، كما في النظرية الاقتصادية، من صنع الإنسان.
7 - النظرية الدينية التي ترى أن التاريخ صراع بين الخير والشر، والأخلاق والانحراف، وأن الله يتدخل في تشكيل  التاريخ مباشرة أو بصورة غير مباشرة عن طريق الأنبياء والرسل؛ أي إن التاريخ من صنع الله أو أمر غيبي، وهو ما يؤمن به المسلمون والإسلاميون. ولذلك يعزون كل الهزائم والكوارث إلى الابتعاد عن الدين، وأنها لن تزول من دون العودة إليه.
8 - نظرية البطولة التي ترى أن التاريخ يعتمد على شخصية أو أفعال القائد/ البطل. فأفعال شخص واحد يمكن أن تغير وجه التاريخ. وتوماس كارانيل (1881-1795) هو صاحب هذه النظرية.
9. النظرية التي ترى أن التاريخ هراء (History is a Bunk)، وأن لا علاقة بين الأحداث وصاحبها كما يقول هنري فورد (1863–1947)؛ أي إن التاريخ غير مفهوم.
وكما نرى، تفسر كل نظرية جانباً أو حالة من التاريخ، مما يجعل من الصعب الاعتماد على نظرية واحدة فقط لتفسيره.
لكن المشكلة أو الكارثة التي حذّرنا منها المرحوم الأستاذ الدكتور عبدالكريم غرايبة، تكمن في طريقة تعليم أو تدريس التاريخ للأطفال والتلاميذ والطلبة. فعندئذ يصبح التاريخ عبئاً ثقيلاً إذا كان انتقائيا وتعصبياً ونرجسياً، فيمنع أصحابه أو يعرقل تصالحهم مع أنفسهم أو مع غيرهم، ويضعونه على الطاولة في كل مرة أمامهم مهما كان قديماً. وفي ورقة أو محاضرة له، ذكر المرحوم غرايبة أن "التاريخ أصبح أوسع أبواب المعرفة وأكثرها شعبية وأشدها إثارة لعواطف الجماهير وإلهاباً لمشاعرها وحماسها. أصبح التاريخ (يقصد تعليم التاريخ) خطراً يجب ضبطه، ووضع قيود عليه لمنع إساءة استعماله. وإذا كانت الأسلحة النووية قادرة على قتل الإنسان وتشويهه بأعداد كبيرة، فإن التاريخ أقدر على التحريض على القتل والتشويه وإفساد أفكار الأجيال المقبلة وعقولها. وتصدر باسم التاريخ دعوات كريهة لنشر الحقد والضغينة والتحريض على الدخول أو الثأر بين أفراد الشعب الواحد أو بين شعوب مختلفة متقاربة أو متباعدة".
ربما كان تلاعب المؤرخين بالتاريخ (والمعلمين والمعلمات والأساتذة والأستاذات الذين يعلمون التاريخ)، هو الذي جعل روائياً ورساماً وموسيقاراً مثل صمويل بُطلر (1835 - 1902) يقول: "إن الله لا يستطيع تغيير الماضي، ولكن المؤرخين يغيّرونه" (اذا اعتبرت قوله كفراً، فتذكر أن ناقل الكفر ليس بكافر).
المطلوب تربوياً وإنسانيا، تعليم التاريخ بلغة صحيحة سياسياً (Politically Correct Language). وإلا ظل عبئاً على البشر كما نراه في الصراع والإبادة المتبادلة بين الشيعة والسنة في سورية والعراق، وبين أوكرانيا وروسيا، والهند وباكستان... وقبل هذا وذاك بين الصهيونية وإسرائيل والشعب الفلسطيني.