النموذج الفكري ونمو التمويل الإسلامي (5-6)

غسان الطالب* نستكمل حديثنا اليوم حول المؤشر الرابع لنمو التمويل الإسلامي، وهو مؤشر المسؤولية الاجتماعية، لما لها من أهمية اقتصادية واجتماعية تنعكس على النمو الاقتصادي الوطني وتحقق تنمية اقتصادية واجتماعية تسهم، مما لا شك فيه، في تخفيف عبء البطالة والفقر. وكذلك الدور الذي تؤديه في نشر الوعي المعرفي ودعم المبادرات العلمية والبحث العلمي الذي نحن بأمس الحاجة إليه، فالأهمية الاقتصادية تعني العائد الاقتصادي الذي يمكن أن يتحقق ضمن الضوابط الشرعية في تنمية رأس المال؛ حيث من المعلوم أن العائد هنا غير مضمون ومبني على عنصر المخاطرة، ولكونها مؤسسات مالية "المقصود الإسلامية"، فإنها تؤدي دورا مهما في التنمية الاقتصادية من خلال قدرتها على توفير التمويل اللازم المتأتي من جمع المدخرات الوطنية وإعادة توظيفها في مشاريع تسهم في تحقيق تنمية اقتصادية تحقق قيمة مضافة إلى الدخل القومي مع توفر الكفاءة وحسن الاستغلال للموارد الاقتصادية المتاحة. وبالنتيجة يؤدي إلى المساهمة في تحقيق الاستقرار الاقتصادي المنشود، وبالتالي فهي التزام ذو عائد على الاستثمار، وهي كذلك نهج وثقافة، أما الأهمية الاجتماعية فهي تتمثل في كون المصرف الإسلامي ليس مؤسسة هدفها تحقيق الربح فقط بل تسعى إلى تقديم خدمات اجتماعية من شأنها أن تعزز المناخ الاجتماعي السليم وتعمق القيم الأخلاقية مثل الصدق والأمانة في المعاملات وفق الضوابط الأخلاقية والشرعية التي توظف القوة الكامنة في الإنسان نحو العملية الإنتاجية، وبالنتيجة تسهم في زيادة دخل الفرد وزيادة الدخل القومي ومن ثم تقليل معدل البطالة؛ تلك الآفة التي تؤدي إلى العديد من المشاكل الاجتماعية، إضافة الى دعم المشاريع التي تحافظ على البيئة والمنسجمة مع أحكام الشريعة الإسلامية، ثم الالتزام بالمعايير الأخلاقية التي تحافظ وتحترم البنيان الاجتماعي للمجتمع. فمن الطبيعي أن تضع المؤسسات المالية الإسلامية من ضمن أولوياتها تحمل المسؤولية الاجتماعية تجاه مجتمعاتها بما أن المبادئ والأهداف التي تلتزم بتحقيقها والتي وضعت كمبرر لنشأتها، توجب عليها وضع المسؤولية الاجتماعية بخط مواز للمسؤولية الاقتصادية تجاه المجتمع؛ أي أن كلا منهما يؤدي رسالة تنموية أخلاقية ملتزمة بأحكام الشريعة الإسلامية. يجب الاهتمام بالمسؤولية الاجتماعية وفي المؤسسات المالية الإسلامية وبدورها كمؤشر لنمو التمويل الإسلامي وانعكاسها على أدائها المالي لتحقيق التكافل المجتمعي، الى جانب تعزيز دورها في تمويل التنمية الاقتصادية في المجتمعات التي تتواجد بها، ودورها كذلك في تجاوز الأزمات المالية كما في أزمة العام 208 وأزمة جائحة كورونا التي نعيشها اليوم، مع التأكيد أن هذه المؤسسات قامت منذ انطلاقتها الأولى في سبعينيات القرن الماضي على فكر تنموي واستثماري يؤمن بأهمية المسؤولية الاجتماعية ودورها الاقتصادي التنموي وبأدوات مبتكرة. وقد شاهدنا في السنوات الأخيرة انتشارا واسعا ونموا كبيرا للمؤسسات المالية الإسلامية في جميع أنحاء العالم، وأصبح لهذه المؤسسات دور بارز في تنفيذ وتمويل المشاريع الاقتصادية والتنموية، وأحيانا بالتعاون مع مؤسسات حكومية وأخرى خاصة، كداعمة للعمل الحكومي، ومن خلال برامجها ذات الأثر والعائد الاجتماعي، الى جانب استمرارها في تطوير برامجها الاقتصادية والاجتماعية في المجالات المصرفية، وهذا نابع من صميم دورها في تحمل المسؤولية الاجتماعية وبما تمثل هذه المسؤولية من إضافة نوعية لمسؤولياتها الأخلاقية ونموذج فريد يعزز من قدرتيها التنموية والتمويلية. فحديثنا اليوم عن المسؤولية الاجتماعية ببعديها الاقتصادي والاجتماعي الأخلاقي وفي إطارها الإنساني الذي يحقق مصلحة المجتمع الواحد، على اعتبار أنها مؤشر مهم لنمو التمويل الإسلامي في نموذجه الفكري الذي يرتقي الى مستوى الإرادة داخل المجتمع لإحداث التنمية والتطور في مجتمعاتها أينما تواجدت. *باحث ومتخصص في التمويل الإسلامياضافة اعلان