"النهضة الحكومي" يخفق في صون الحريات ويتعثر بمراجعة التشريعات الإصلاحية

هديل غبّون عمّان – حددت حكومة رئيس الوزراء عمر الرزاز حزمة من الإصلاحات السياسية المزمع تنفيذها ضمن مشروع ما أسمته "النهضة" للعامين 2019 و 2020، إذ أدرجت تطوير قانون الأحزاب السياسية وكذلك نظام تمويلها في العام 2019 ضمن الخطة، فيما أدرجت تطوير قانون الانتخاب في العام 2020، إضافة إلى دعم إجراء الانتخابات التشريعية لمجلس النواب التاسع عشر في موعدها الدستوري. وشكل تعزيز نهج "اللامركزية" للعام الحالي هدفا استراتيجيا للخطة التي أعلنت نهاية العام 2018، وتبنت الحكومة إطلاق سلسلة حوارات سياسية مع مختلف القوى وهيئات المجتمع المدني لتنفيذ المحور الأول للخطة وهو "سيادة القانون"، الذي عرفته الخطة المنشورة على شبكة الانترنت بأنها تشمل تنمية الحياة السياسية وصون الحريات العامة بالمجمل. لكن خطى الحكومة وعلى مدار نحو 6 أشهر من إقرار "مشروع النهضة"، شهدت سلسلة من العثرات أمام تعزيز الإصلاح السياسي وتطوير تشريعاته، فيما رأى سياسيون وحزبيون أن تسنم اللامركزية أولوية الحوارات، تبلورت في تشكيل لجنة لصياغة قانون موحد للإدارة المحلية، لكنها لم "تطرح فلسفة" التعديلات بعمق. وكان تراجع الحريات العامة وتزايد الاعتقالات على مدار الأشهر القليلة الماضية، والتضييقات على النشطاء والحزبيين، من أبرز ملامح "انتكاسة" مسار الاصلاح السياسي، وفقا لسياسيين وحزبيين. وقالت الأمينة العامة الأولى لحزب الشعب، عبلة أبو علبة، إن الحكومة لم تتقدم خطوة واحدة على طريق تطوير قانون الأحزاب السياسية، رغم إدراجه كبند أول يسبق مشروع النهضة، وبند تطوير نظام التمويل. وقالت أبو علبة لـ "الغد"، إن "اهتمام حكومة الرزاز بالإصلاح السياسي، هو اهتمام ثانوي وليس مقترنا بأي محور آخر، وأن ذلك واضح في الخطاب الرسمي للحكومة سواء على لسان رئيس الوزراء، أو على لسان الناطق الرسمي، على حد تعبيرها، رائية أن كل ما جرى بشأن محاور الاصلاح السياسي للحكومة، لم يتقدم "خطوة واحدة إلى الأمام"، بل إن تراجعا جرى في باب الحريات العامة عبر أكثر من نموذج. وبينت أن التراجع الملموس الذي سجلته الحكومة، يظهر في تطوير مشروع تمويل الأحزاب، فـ "هناك فرق بين مراجعة التمويل وبين إعادة التنظيم"، مضيفة "كان يفترض أن يكون التمويل مقترنا بإصلاح قانون الأحزاب نفسه، وإصلاح القانون بما يزيل المواد المعطلة لحرية حركة الأحزاب وعملها ومن ثم تعديل نظام التمويل. وعلى ضوء الجلسة مع الحكومة كان هناك توجه واضح للتراجع". وأشارت ابو علبة إلى أن خفض التمويل من 50 ألف دينار سنويا إلى 15 ألفا حسب المعطيات الأخيرة التي أبلغت الوزارة بها الاحزاب، هو تراجع عن التمويل وليس تنظيما للتمويل، مشددة على أن الأحزاب قدمت حزمة من المقترحات المتعلقة بالقوانين الاصلاحية سواء في الاحزاب أو تظام التمويل، والانتخاب لجهة إجراء تعديلات لضمان مشاركة تمثيلية أوسع، إلا أن الحكومة تخشى "فتح معركة مبكرة مع البرلمان". وعلى صعيد الحريات العامة، قالت أبو علبة، إن انتهاكات عدة ارتكبت ولا يمكن إعفاء الحكومة من تحمل مسؤولياتها تجاهها، معتبرة أن مراجعة اللامركزية لم تتضمن للآن توضيح فلسفة التعديلات أو وجهتها، والتي يجب أن ترتكز إلى كيفية تنمية المحافظات. من جهته، اعتبر مدير برنامج (راصد) وأحد القائمين على مشروع "رزاز ميتر"، عمرو النوايسة، إن الحكومة حققت تقدما في مراجعة قانون اللامركزية على مدار الاشهر الماضية، خاصة فيما يتعلق بالشراكات والحوارات التي دشنتها مع الهيئات الشعبية المختلفة، وقال، "الحكومة استكملت هذا الملف وتبقى أن تضع استراتيجية وطنية للإدارة المحلية لجني ثمار اللامركزية"، خاصة بعد تشكيل اللجنة الخاصة لصياغة القانون وتحويل وزارة البلديات إلى وزارة الإدارة المحلية. ورأى النوايسة أن الحكومة لم تتقدم في مناقشة قانون الأحزاب وربط التمويل به بما يسهم في تعزيز الأحزاب وامتدادها، سعيا إلى ترسيخ مبدأ الحكومات البرلمانية الذي ورد في عدة خطابات وتوجيهات ملكية. وبين النوايسة في حديثه لـ "الغد" أن تعزيز مبدأ الحكومات البرلمانية، يتطلب "خطة منفصلة" تفوق خطة "مشروع النهضة" تتضمن تفصيلات عدة وبرنامج عمل يعزز أولا الثقافة السياسية وتطوير قانون الانتخاب وآلية الانتخاب، حيث لم يتم التطرق للقانون حتى اليوم. وفيما يتعلق بباب الحريات العامة، اعتبر النوايسة أن حكومة الرزاز أحدثت "انتكاسة كبيرة" في الحريات العامة وحرية التعبير وضمانات العدالة المتعلقة فيها، وبما يتناقض كليا مع مشروع "النهضة" إذا كنا نتحدث عن نهضة حقيقية، داعيا إلى الاسراع في فتح باب الحوار مع معتقلي الرأي والنشطاء والحراك بمختلف تكويناته الشعبية والسياسية، وإعادة التموضع، وتعزيز مبدأ فصل السلطات، وتعزيز مبدأ سيادة القانون والدستور، باعتباره الضامن الأكبر للحريات العامة. وانتقدت احزاب سياسية من مختلف التلاوين الانتكاسة الكبيرة التي سجلت في باب الحريات العامة وضمان حق التجمع السلمي للمواطنين، وأصدرت أغلبية أحزاب المعارضة وأحزاب أخرى بيانات نددت فيها بسياسة التضييق أيضا على الحزبيين. وأشار عضو المكتب السياسي في حزب الوحدة الشعبية عبدالمجيد دنديس، إلى أن الأشهر الماضية شهدت "موجة استدعاءات" لحزبيين ونشطاء وحراكيين، اعتبر أنها تأتي في سياق حملة "ممنهجة للتضييق على الحريات العامة وإنهاء حراك الرابع". ورأي دنديس أن ما يجري بحق النشطاء يتعارض مع الموقف الرسمي الحكومي المعلن بالتوجه نحو مزيد من الانفتاح على الداخل الأردني في ظل تعرض البلاد لضغوطات "صفقة القرن". وكشف عن استدعاء عدة حزبيين في ائتلاف الاحزاب القومية واليسارية منذ مطلع العام الجاري، من بينهم قيادات حزبية، مبينا أن عدة مذكرات احتجاج رفعت إلى لجنة الأحزاب في وزارة الشؤون السياسية والبرلمانية ورئاسة الوزراء والمركز الوطني لحقوق الانسان، اطلعت "الغد" على عدد منها. وفي السياق ذاته، قدم أكثر من 20 عضوا في حزب جبهة العمل الاسلامي منذ بداية العام الجاري، استقالاتهم على خلفية مضايقات تعرض لها أقاربهم من جهات رسمية خلال تقدمهم لوظائف حكومية، بحسب ما كشف عنه عضو المكتب التنفيذي للحزب والناطق الاعلامي ثابت عساف لـ "الغد". وقال عساف، إن المضايقات لمنتسبي الحزب لم تتوقف، فيما أرسل الحزب في وقت سابق عدة مذكرات رسمية للجنة شؤون الاحزاب في وزارة الشؤون السياسية والحزبية وبعض الجهات الحقوقية المعنية. وطالبت مذكرة رفعها الحزب لرئيس الوزراء عمر الرزاز بتاريخ 5 شباط (فبراير) الماضي واطلعت عليها "الغد" بالإسراع في اتخاذ الاجراءات لوقف هذه الممارسات. كما اشتكى حزب الشراكة والانقاذ عدة مرات في الشهرين الماضيين، من توقيف عدد من أعضائه بحسب عدة منشورات نشرت على صفحة الحزب الرسمية على "الفيسبوك". وكانت وزارة الشؤون السياسية والحزبية، صرحت عبر وزيرها وأمينها العام عدة مرات، أن التوقيفات لا تتعلق بالانتماء الحزبي، فيما قال الأمين العام الدكتور علي الخوالدة في مقابلة مع "الغد" في 6 آذار (مارس) الماضي أن "التوقيفات بين صفوف حزبيين (حتى ذلك التاريخ) لم تتم بسبب الانتماء الحزبي وإنما لأسباب أخرى".اضافة اعلان