النواب والحكومة: مستقبل الزبونية

 ينتظر الجميع من مجلس النواب الجديد ان يقدم اليوم أول إشارة تدل على طبيعة الأداء البرلماني القادم، وهي الرسالة المنتظرة في انتخاب الرئيس والمكتب الدائم للمجلس، ومع الازدحام والمنافسة فإن الأمر لن يتجاوز كونه إشارة أولية لن تحسم مدى التغيير الذي سيلحق بأداء المجلس أو مدى استمرار البنية التقليدية ووظائفها التي حكمت أداء البرلمان على مدى خمسة مجالس ووصمت بالتبعية والزبونية للسلطة التنفيذية.اضافة اعلان
ثمة متغيران جديدان يمنحان فرصة لمراجعة احتمالات ما سينال علاقة التبعية بين المجلس والسلطة التنفيذية ومؤسساتها السيادية من تغيير أو تحولات، المتغير الأول: الرقابة الشعبية غير المسبوقة المتوقعة على أداء المجلس الجديد بعد أن أسقطت هذه الرقابة المجلس السابق معنويا منذ عامه الأول، وبعد ان وثّقت تلك الرقابة مصادر الضعف بالأدلة والأمثلة التي ستبقى طويلا في الذاكرة الشعبية. المتغير الثاني: شكل الحكومات القادمة سيحدد جانبا مهما من طبيعة العلاقة بين الطرفين؛ فالتقديرات الموضوعية تؤكد أن البلد يذهب الى تغيرات ستطرأ على آلية تشكيل الحكومة التي لن ترتقي في هذه المرحلة إلى مستوى الأشكال الأولية من الحكومات البرلمانية، هذه الآليات ستتيح للنواب دورا في المشاورات ما يفتح المجال امام احتمالات متناقضة؛ ما قد يولد تيارات داخل المجلس للمعارضة الصحية وبنفس الوقت ما قد يرسم خريطة جديدة للزبونية وعلاقات الانتفاع وتبادل المصالح وتمرير الصفقات وبالتالي التواطؤ السياسي.
إن شروط البنية التقليدية التي هيأت الظروف على مدى عقدين لزبونية نفعية بين أعضاء السلطتين التنفيذية والتشريعية ما تزال معظمها قائمة، وهي البيئة التي أفقدت البرلمان معناه السياسي وقيمته المجتمعية، وأسهمت الى جانب عوامل أخرى في تراجع مكانة الدولة في عيون مواطنيها، تلك الشروط مرتبطة بطبيعة تكوين النخبة البرلمانية التي يعزى جانب منها إلى قانون الانتخاب والذي جعل نصف أعضاء المجلس الحالي من المجالس السابقة وساهم في عودة التجار ورجال الأعمال الجدد من جديد، مقابل غياب تمثيل حقيقي وعادل للطبقة الوسطى، وغياب تمثيل حقيقي وعادل للقوى السياسية الشعبية الجديدة وعلى رأسها الحراك الشعبي، وتكرار تصدير المحافظات لنخب من الوجهاء الاجتماعيين الذين يسهل انفصالهم عن قواعدهم الاجتماعية لصالح الارتباط مع فئات مؤثرة من خلال العطايا والامتيازات والمحسوبيات التي تتطلب علاقة زبونية محترفة مع السلطة التنفيذية.
لقد وصلت العلاقة الزبونية بين السلطتين في عهد المجلس السابق الى أوجها، وعلى المجلس الجديد أن يستفيد من دروس الماضي القريب، وان يؤسس لآليات جديدة  تقف في وجه الانتفاع وبيع المواقف والمحسوبيات والاسترضاء. لقد رصدت وسائل الإعلام أشكالا متعددة لنمط علاقة الوصاية منها الانتفاع المباشر، وعلينا أن نراجع عشرات الجمعيات التعاونية التي سجلت بأسماء نواب أو أقارب لهم من أجل تمرير تدفقات مالية ثمنا لمواقف سياسية، ووصل الاسترضاء حد أن يصبح  للنواب كوتا في الحج، وكوتا في المقاعد الجامعية، ومغلفات مالية انتقائية تحت بنود مساعدات الطلبة والمرضى والأرامل، إضافة إلى الامتيازات الشخصية المباشرة وآلاف الليالي التي قضاها النواب خارج البلاد في السفر.
 ليس من العدل مواجهة المجلس الجديد بنظرة تشاؤمية منذ جلسته الأولى، ولا يمكن أن نرمي كل أحمال التشوهات السياسية على المجلس وحده، في المقابل فإن شكل ومضمون العلاقة بين السلطتين ستحسم مكانة المجلس والأداء البرلماني مبكرا.

[email protected]