الهيكلة اختبار عملي للإرادة

وزير تطوير القطاع العام أكثر العالمين بالتراجع العميق الذي أصاب الإدارة العامة، إن كان بتكاثر المؤسسات المستقلة التي أخذت صلاحيات الوزارات لتفلت بها خارج رقابة مجلس النواب، أو بإحداث الوظائف خارج جدول التشكيلات تحت مسميات مختلفة، أو بتعدد الأنظمة الوظيفية بعيداً عن نظام الخدمة المدنية، أو بالفوارق الكبيرة بين موظفي الدولة في الرواتب والامتيازات.اضافة اعلان
والوزير بحكم خدمته الطويلة في ديوان الخدمة المدنية، من أبرز الخبراء بواقع إدارة الخدمة المدنية الذي تجاوز تجميد مسؤوليات وصلاحيات مجلس الخدمة المدنية، إلى التعدي على صلاحيات الديوان نفسه من خلال ما سمي بمشروع تطوير القطاع العام الذي تم الترويج له وتمويله خارجياً منذ العام 2003، وجرى توزيع مخصصاته لإنشاء وزارتين؛ واحدة باسم تطوير القطاع العام، وأخرى باسم الرقابة على الأداء الحكومي، ولم تلبث الأخيرة أن حولت إلى إدارة مستقلة في رئاسة الوزراء.
منذ العام 2003 ظل ديوان الخدمة المدنية، برئاسة الأستاذ مازن الساكت الذي هو الآن وزير تطوير القطاع العام، يسعى جاهداً إلى استعادة دور وصلاحيات ديوان الخدمة المدنية في مواجهة التشوهات التي أحدثها ما سمي في حينها مشروع تطوير القطاع العام، ويؤكد مرة تلو المرة أن الإصلاح هو في دعم ديوان الخدمة المدنية وتعزيز دوره والتقيد بنظام الخدمة المدنية نصاً وروحاً، لا في إحداث إدارات جديدة تشتت المسؤوليات والجهد، وتعقد مشكلات الخدمة المدنية والإدارة العامة.
لكن جهود الساكت، رئيس ديوان الخدمة المدنية إلى أن أصبح منذ أشهر وزيراً لتطوير القطاع العام، ذهبت سدى، وتعقدت مشكلات الإدارة العامة والخدمة المدنية خلال السنوات السبع الماضية بما فاق التصور، حتى أصبح حلها حلماً وهدفاً صعب المنال.
قرار الحكومة اليوم بإعادة صورة الخدمة المدنية وهيكل الإدارة العامة إلى الحالة الصحيحة التي ينبغي أن يكونا عليها هو أجرأ وأفضل قرار إداري تتخذه حكومة منذ أن قامت المملكة. وإذا ما قدر له أن يرى النور عملياً، فهو وحده يكفي هذه الحكومة أن تلقى به الرأي العام كإنجاز مميز لصالح الوطن يسجل في سجل إنجازاتها.
غير أن ثمة قيمة أخرى تكمن في هذا القرار. ذلك أنه كقرار حكومي إداري يمكن أن يكون اختباراً حقيقياً لإرادة الدولة الأردنية في الإصلاح. فالقرار قد تم اتخاذه حكومياً، ووضعت له آليات واضحة للعمل، ومواعيد زمنية محددة للتطبيق، ولا خيار أمام الدولة إلا التطبيق أو عدم التطبيق، إذ يختلف الأمر كلياً في هذا القرار الإداري عنه بالنسبة للتشريعات التي قد يجري تعديلها لكن ليس بالضرورة التقيد بها عند التطبيق، فكم لدينا من التشريعات المناسبة التي يجري مخالفتها دونما اكتراث.
نعلم أنه قد لا يطول المقام بهذه الحكومة لبلوغ مطلع العام المقبل 2012 لتضع قرارها موضع التطبيق العملي، لكن هذا سيكون دافعاً آخر لاختبار حقيقة إرادة الدولة الأردنية، لأن إرادة الدولة ينبغي أن تكون عابرة للحكومات. فالحكومة الحالية قد قالت رأيها واتخذت قرارها فيما يخص المرحلة التي تتولى فيها الولاية العامة، أما إرادة الدولة فهي ما سوف يكشف عنها فعل الحكومات اللاحقة إذا ما كانت الحكومة الحالية قد رحلت.
قرار الهيكلة ينطوي على جرأة عالية تحسب للحكومة، وإرادة محترمة في وجه قوى التفكيك التي فعلت في الإدارة العامة ما فعلته في الجانب السياسي عندما أضعفت مجلس النواب، وما فعلته في الجانب الاقتصادي عندما رفعت الرقابة عن الأسواق وخصخصت شركات الحكومة.

[email protected]